تسلم البنك المركزي اليمني ومقره الرئيس مدينة عدن جنوبي البلاد ، اليوم الخميس ، دفعة جديدة من العملة المطبوعة في الخارج، وسط تحذيرات من معاودة انخفاض وانهيار العملة الوطنية.
وقالت مصادر مصرفية لوكالة "ديبريفر" للأنباء ان البنك المركزي تسلم اليوم الخميس دفعة جديدة من الأموال النقدية المطبوعة من إحدى الشركات الروسية فئة الـ 1000 و100 ريال وصلت إلى ميناء الحاويات بعدن.
وأشارت تلك المصادر إلى ان الأموال ، كانت محملة بعدد سبع حاويات كل حاوية بمبلغ 21 مليار ريال ليصل إجمالي المبلغ نحو 147 مليار ريال .
وذكرت المصادر بأن الأموال الجديدة ، هي ما تبقى من الكميات المطبوعة في الخارج ، والتي تم الاتفاق عليها سابقا ، قبل أن يقرر البنك المركزي مؤخرا ، التوقف عن طباعة كميات جديدة من العملة المحلية والاكتفاء بما تم طباعته .
وأكدت المصادر إن العملات النقدية الجديدة ، تحمل اسم، محمد زمام، محافظ البنك المركزي حاليا ، وسيتم ضخ المبلغ قريباً في السوق خلال مراحل مزمنة ، لتغطية مرتبات الموظفين في الجهاز الإداري للدولة مدني وعسكري .
وبدأت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا منذ مطلع العام الماضي، بضخ عملات نقدية جديدة طبعت في روسيا ليصل إجمالي ما طبعته الحكومة حتى الآن قرابة تريليونين " ألفين مليار ريال"، أي ما يعادل قرابة أربعة مليار دولار.
وأكد مسئول حكومي في تصريح لوكالة "ديبريفر" للأنباء أن عملية ضخ الأموال المطبوعة حديثاً إلى السوق يأتي وفق سياسات اقتصادية ونقدية متعارف عليها، حيث لا يمكن أن يتم ضخ كافة الكميات في وقت واحد، خاصة وأن تلك الأموال طبعت بدون غطاء نقدي من العملات الصعبة، وهو ما سيفقد قدرتها الشرائية وسيزيد من انهيار العملة المحلية المتداعية أصلا.
وأشار إلى أن رفد البنك المركزي اليمني للعملة الجديدة جاء لسد النقص الكبير للعملات النقدية ذات الفئات الصغيرة التي تسببت في اختناقات للمتعاملين في السوق، إضافة إلى تغطية صرف مرتبات موظفي الجهاز الإداري للدولة مدنيين وعسكريين.
وقال مصدر مسؤول في البنك المركزي اليمني الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن إجمالي العملة اليمنية من "الطبعة الجديدة" المتفق على طباعتها والمقرر تسليم أخر دفعة منها للبنك المركزي اليمني متصف العام المقبل 2019، تبلغ 2 تريليون ريال.
وأكد المصدر في تصريح لموقع " نيوزيمن الإخباري " مؤخرا ، إن حكومة هادي وقعت اتفاقاً أواخر العام 2016، مع شركة في دولة روسيا الاتحادية لطباعة 2 تريليون ريال من فئة 1000 و500، و200، و100، و50 ريالاً، بتوقيع محافظ البنك المركزي السابق منصّر القعيطي، مشيراً إلى أن محافظ البنك المركزي، محمد زمام، المعين خلفاً للقعيطي، سحب كليشات من العملة الجديدة وكتب أسمه عليها.
وذكر المصدر بأن مبالغ كبيرة من العملة الوطنية "الطبعة الجديدة" وصلت البنك المركزي اليمني، نهاية نوفمبر الماضي، ليصل إجمالي العملة المحلية من الطبعة الجديدة المسلمة للبنك المركزي تريليون و100 مليار ريال، مشيرا إلى أن 900 مليار ريال المتبقية ستصل تباعا خلال الأشهر السبعة القادمة.
تحذيرات من معاودة الانهيار
يأتي استمرار البنك المركزي اليمني في انتهاج سياسة رفد السوق بالأموال المطبوعة ، في وقت حذر خبراء اقتصاد واختصاصيين من استمرار الحكومة والبنك المركزي في طبع النقود ورفدها للسوق دون وضع عدة معايير وضوابط تحكمها متعلقة بالغطاء من الذهب والنقد الأجنبي وحجم الإنتاج من السلع والخدمات والناتج المحلي والصادرات يساهم في ارتفاع معدلات التضخم ، ناهيك عن التأثير المباشر على تدهور الريال اليمني ، فضلاً عن سياسات وإجراءات ما زالت تستخدمها الحكومة وغياب الرقابة والسياسات النقدية الصحيحة ، جميعها عوامل أدت وستؤدي إلى تواصل انهيار العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية في سوق الصرف.
وحذروا هؤلاء من أن ضخ العملات النقدية الجديدة إلى سوق ، سيساهم في معاودة انخفاض قيمة العملة المحلية " الريال " مجددا أمام العملات الأجنبية ، بعد تحسن كبير نسبيا لقيمة سهلا الريال أمام العملات الأجنبية خلال الفترة القليلة الماضية ، في ضؤ تنفيذ البنك المركزي اليمني سلسلة من الإجراءات وتوفير العملة الأجنبية لاستيراد السلع الأساسية وإغلاق محلات وشركات الصرافة المخالفة والتي تعمل على المضاربة في السوق .
وقالت مصادر مصرفية ومتعاملون بشركات الصرافة لوكالة "ديبريفر" للأنباء إن استمرار ضخ الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا مبالغ جديدة من العملة في السوق، دفع سعر الريال في سوق الصرافة في عدن وصنعاء لمعاودة الانخفاض بشكل طفيف حيث سجل سعر الصرف مساء الخميس ارتفاعا ليصل إلى 515 ريالا مقابل الدولار للشراء و525 ريالا للبيع في صنعاء ، بزيادة 13 ريالا قبل يومين .
كما ارتفع سعر الريال السعودي وسائر العملات الأجنبية في السوق اليمنية المتداولة ليصل إلى 136 ريالاً، فيما الدرهم الإماراتي 137 ريالاً وذلك من 131 و132 قبل يومين للعملتين على الترتيب.
وسجلت قيمة الريال تراجعا بشكل دراماتيكي وسريع منذ بداية الحرب في اليمن في مارس 2015 من 215 ريالا للدولار إلى قرابة 800 ريالا ، أي فقدت أكثر من 70 بالمائة من قيمتها ، كما تستعيد العملة الوطنية بعض عافيتها وقيمتها خلال الشهرين للماضيين.
ودفعت المستجدات المتسارعة التي شهدها الاقتصاد اليمني خلال الأشهر القليلة الماضية، الأسعار للارتفاع إلى مستويات قياسية بالنسبة للمواد الغذائية الضرورية التي يعتمد اليمن على استيرادها من الخارج مثل الأرز والسكر والقمح والدقيق، ما فاقم الأعباء على كاهل الأسر اليمنية التي تعيش غالبيتها في ظل أوضاع اقتصادية صعبة نتيجة الحرب المستمرة في هذا البلد الفقير منذ قرابة أربع سنوات، بين قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده السعودية، وقوات جماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران.
ويستورد اليمن أكثر من 90 بالمائة من احتياجاته الغذائية بما في ذلك معظم احتياجاته من القمح وكل احتياجاته من الأرز.
لا إلغاء للتعويم
الأربعاء الماضي حدد البنك المركزي اليمني، رسميا أسعار البيع والشراء للدولار الأمريكي والريال السعودي، وذلك خلال اجتماعه حينها ، مع ملاك محلات وشركات الصرافة عقب إغلاق بعض الشركات المخالفة، وإضراب الأخرى .
وبحسب البنك المركزي فإن سعر الشراء للريال السعودي، 133 ريال يمني، وسعر البيع، 135 ريال، فيما بلغ سعر الشراء، للدولار الأمريكي، 507 ريال يمني، وسعر البيع، 510 ريال .
وشدد البنك على ملاك شركات الصرافة بالالتزام بالأسعار المحددة، وعدم التعامل مع المحلات غير المرخصة .. مهددا باستخدام الإجراءات القانونية حال مخالفة محلات الصرافة أسعار بيع وشراء الدولار والريال السعودي وفقا للتسعيرة التي خرج بها الاجتماع وسحب ترخيص أي شركة لا تلتزم بهذه التسعيرة.
وأغلق البنك المركزي خلال الأسبوع الماضي ، معظم شركات الصرافة بالتعاون مع نيابة الأموال العامة، في عدن ، قبل أن تسمح لها بالعودة إلى العمل مع الامتناع عن بيع وشراء العملات إلى حين تحديدها من قبل البنك المركزي بما يتناسب مع قانون العرض والطلب .
وأكد خبراء الاقتصاد أن تحديد تسعيرة ثابتة صادرة من البنك المركزي في عدن، لأسعار صرف العملات الأجنبية، فتحت أبواب السوق السوداء على مصراعيها، خصوصاً وأن قرار التعويم الصادر من المركزي مازال ساري المفعول، إذ أن قرار التعويم وتحديد سعر ثابت لأسعار الصرف، قراران لا يتوافقان مع وضع اقتصادي هش كالأوضاع التي تعيشها اليمن.
وقالت مصادر اقتصادية إن البنك المركزي ، رفض خلال اجتماعه مع ملاك محلات الصرافة مؤخرا إلغاء التعويم، لكونه ليس من صلاحياته، حد قول الوكيل المساعد للبنك حسين المحضار، وهو يشغل مدير عام الرقابة ، بل يأتي قرار الإلغاء عن طريق الحكومة.
وأكدت المصادر أنه لا فائدة من هذا التحديد، لكون السوق يسير فيه التعويم الذي أصدره البنك المركزي، بل سوف يفتح أرضا خصبة للسماسرة بالانتشار الأوسع في السوق السوداء.
واتهمت المصادر البنك المركزي بالسعي إلى تحميل الصرافين المسؤولية أمام الرأي العام حتى يقول إن السعر تم تحديده من قبل الصرافين في ظل سوق معوّم.
وأكد مراقبون ومتابعون اقتصاديون في وقت سابق لوكالة "ديبريفر" للأنباء، أن الحكومة اليمنية والبنك المركزي إذا كانا جادين في وقف انهيار العملة المحلية وتحسين الأوضاع في المناطق الخاضعة لسيطرتها، فعليهما العمل فوراً على إلغاء قرار تعويم العملة المحلية التي انتهجها البنك المركزي اليمني في أغسطس العام الماضي بدون آليات لضبط سعر الصرف، ما أدى إلى خسارة الريال أكثر من نصف قيمته ودفعه إلى الانهيار المستمر في السوق وسط غياب أي دور رقابي للمؤسسات المالية والنقدية للدولة وعجز البنك على وقف انهيار العملة المحلية والتحكم بالسوق المحلية وما تحويه من عملات أجنبية، في المقابل لم تستطع الحكومة توفير الكميات اللازمة من العملة الأجنبية، سيما الدولار، وهو السبب الرئيس في هذا التدهور.
وحررت الحكومة سعر صرف الريال العام الماضي وأصدرت توجيهات للبنوك باستخدام سعر الريال الذي تحدده السوق بدلا من تثبيت سعر محدد. بينما حدد البنك المركزي اليمني ومقره الرئيس مدينة عدن جنوبي البلاد والتي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا عاصمة مؤقتة للبلاد ، في وقت سابق من مطلع الشهر الجاري ، السعر الرسمي للدولار الواحد عند 440 ريالاً يمنياً.
ويوجد في البنك المركزي اليمني احتياط نقد أجنبي، يزيد عن ثلاثة مليارات دولارات، منها ملياري دولار أودعتها السعودية مطلع العام الجاري، بجانب مليار دولار وديعة سعودية سابقة منذ سنوات، إضافة إلى 200 مليون دولار أعلنت عنها المملكة مطلع أكتوبر الماضي كمنحة لذات البنك، دعماً لمركزه المالي.
ويعيش اليمن منذ أكثر من ثلاث سنوات و9 أشهر، صراعاً دموياً على السلطة بين الحكومة المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عربي تقوده السعودية، وقوات جماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران.
وينفذ التحالف، منذ 26 مارس 2015، عمليات برية وجوية وبحرية ضد جماعة الحوثيين في اليمن، دعماً لقوات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته لإعادته إلى الحكم في صنعاء التي يسيطر الحوثيون عليها وأغلب المناطق شمالي البلاد منذ سبتمبر 2014.
وخلّفت الحرب أوضاعاً إنسانية وصحية صعبة، جعلت معظم سكان اليمن بحاجة إلى مساعدات، في أزمة إنسانية تعتبرها الأمم المتحدة "الأسوأ في العالم".
وتقول الأمم المتحدة إن نحو 14 مليون شخص، أو نصف سكان اليمن، قد يواجهون قريبا مجاعة، فيما تؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن نحو 1.8 مليون طفل يعانون من سوء التغذية.
وأدى الصراع الدامي إلى مقتل أكثر من 11 ألف مدني، وجرح عشرات الآلاف، وتشريد ثلاثة ملايين شخص داخل البلاد وفرار الآلاف خارجها.