أظهرت دراسة اقتصادية لصندوق النقد الدولي، اليوم الأحد، أنه لم يعد هناك مالية عامة بالشكل المعهود في اليمن، بعد قرابة أربع سنوات من الصراع في هذا البلد الفقير.
وأكدت الدراسة أن في اليمن صناديق لصرف المال توزعت على مساحات الصراع والنفوذ في جميع أرجاء البلاد التي تشهد صراعاً دموياً على السلطة منذ قرابة أربع سنوات بين الحكومة المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عسكري تقوده السعودية، وجماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران.
وقالت أحدث البيانات الأولية التي تضمنتها الدراسة التي أعدها صندوق النقد الدولي، إن مستوى تحصيل الإيرادات العامة مستمر بالتراجع من 24 بالمئة قبل الصراع إلى 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الحالي 2018.
وكشفت الدراسة عن أن هناك إيرادات لا تدخل الخزينة العامة للدولة ومصدرها المبيعات المحلية للنفط والغاز، حيث تقدر بنحو 1 بالمئة تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي.
وأفادت الدراسة التي استمدت بياناتها من موظفي البنك المركزي اليمني، بأن الانكماش الحاصل في حصة الدولة في الاقتصاد منذ نهاية العام 2014 التي هي ذاتها شهدت تراجعاً كبيراً، تعد مؤشراً للانقسام المتزايد ولتضاؤل قدرات الدولة وشرعيتها.
وأشار صندوق النقد الدولي في دراسته إلى أنه من غير المرجح أن يستعيد البنك المركزي اليمني كافة صلاحياته المؤسسية على المدى القصير دون أن يكون هناك إجماع واتفاق سياسي ضمني بين جميع أطراف الصراع.. موضحاً إن نقاط الضعف في القطاع المالي آخذة في الارتفاع، لصعوبات تأقلم البنوك التجارية مع تبعات الأزمة السياسية التي طال أمدها، حيث وتستمر عملياتها ومنتجاتها المالية في التضاؤل خلال العام 2018.
وفي يوليو الماضي، كشف تقرير للجنة الخبراء في مجلس الأمن الدولي، أن الحرب في اليمن أوجدت تجار حروب جدد لا يريدون لهذه الحرب أن تتوقف، في إشارة واضحة إلى مراكز النفوذ والمصالح التجارية، والاستثمارية، التي تكونت في رأس سلطتي الحكومة اليمنية "الشرعية" المعترف بها دولياً في جنوبي البلاد، وجماعة الحوثيين في الشمال، وذلك حتى لا يفقدون مكاسبهم ومصالحهم المحققة.
ويعد الملف الاقتصادي وتعزيز الاستقرار المالي أحد أبرز، التحديات التي تواجه الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً برئاسة الدكتور معين عبد الملك، والتي عادت مؤخراً إلى مدينة عدن لممارسة أعمالها من داخل البلاد، بعدما كانت تمارس أعمالها من العاصمة السعودية الرياض، في وقت تعجز هذه الحكومة عن تفعيل أدوات السياسة المالية، وأسواق المال في حالة تفكك كبيرة بسبب الصراع القائم.
وشهد الاقتصاد اليمني انهيارات متسارعة منذ منتصف يونيو الماضي جراء استمرار تدهور العملة المحلية "الريال" إلى مستويات مخيفة، ما تسبب في تفاقم معاناة الناس المعيشية وتصاعد حالة الغليان والغضب لدى الشارع في اليمن.
وأوضحت دراسة صندوق النقد المالي أن مسار السياسة النقدية وأسعار صرف العملات في ستستمر في "حالة عدم اليقين" خلال العام المقبل 2019، مع استمرار صعوبة معالجة الحد من العجز المالي، وما رافق ذلك من سياسات نقدية توسعية مثل طباعة عملة نقدية يمنية جديدة.
وخلّفت الحرب أوضاعاً إنسانية وصحية صعبة، جعلت معظم السكان بحاجة إلى مساعدات، في أزمة إنسانية تعتبرها الأمم المتحدة "الأسوأ في العالم".
وتقول الأمم المتحدة إن نحو 14 مليون شخص، أو نصف سكان اليمن، قد يواجهون قريبا مجاعة، فيما تؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن نحو 1.8 مليون طفل يعانون من سوء التغذية.
الوضع المالي يزداد سوءا
وحذر صندوق النقد المالي إن الوضع يزداد سوءا جراء الانخفاض الكبير في قيمة الريال الذي ازداد تفاقماً منذ شهر أغسطس 2018 مما سيؤدي إلى إعادة النظر في قيمة الديون الخارجية والمخاطر المترتبة عليها.
ورجحت الدراسة الدولية، عدم تحسن وضع المالية العامة في اليمن خلال عام 2019 ما لم يحل السلام في البلاد، مؤكدةً أن تحسين السياسات المالية يظل مرهونا بتحسن البيئة السياسية والأمنية في اليمن.
وربطت الدراسة توقعاتها تلك إلى ما تشير إليه التقديرات بأن حجم تداول السيولة النقدية للعملة اليمنية خارج البنوك ارتفع من 810.9 مليار ريال عام 2014 إلى تريليون و673 مليار ريال مع نهاية العام 2017.
وبدأت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً منذ مطلع العام الماضي، بضخ عملات نقدية جديدة طبعت في روسيا ليصل إجمالي ما طبعته حتى الآن قرابة تريليونين "ألفين مليار ريال"، أي ما يعادل قرابة أربعة مليارات دولار.
وفي جانب النفقات باتت نسبة الأجور والمرتبات تشكل أكثر من 100 بالمئة من إجمالي النفقات العامة الفعلية خلال عام 2017، بعدما كانت لا تتجاوز 42 بالمئة من إجمالي الإيرادات العامة قبل الحرب في اليمن، ما يعكس تراكم المتأخرات والديون.
ووصل حجم العجز في الحساب الجاري لميزان المدفوعات إلى 9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2018، متأثراً بضغوطات تراجع تحويلات المغتربين وغياب الاستثمار الأجنبي المباشر، والقيود الدولية المفروضة على التعاملات المالية الخارجية مع اليمن.
وتقلصت الواردات بما يقارب 64 بالمئة في العام 2017 مقارنة بالعام 2014 وذلك بسبب شحة الاحتياطيات من النقد الأجنبي.
ويوجد في البنك المركزي اليمني احتياط نقد أجنبي، يزيد عن ثلاثة مليارات دولارات، منها ملياري دولار أودعتها السعودية مطلع العام الجاري، بجانب مليار دولار وديعة سعودية سابقة منذ سنوات، إضافة إلى 200 مليون دولار أعلنت عنها المملكة مطلع أكتوبر الماضي كمنحة لذات البنك، دعماً لمركزه المالي.
وكان صندوق النقد الدولي، أكد منتصف ديسمبر الجاري، أن شح العملة الأجنبية في اليمن الناتج عن تعليق صادرات النفط الخام إلى الخارج، ضيّق الخناق على وفرة السلع الأساسية في البلاد.
وأضاف الصندوق في بيان حينها، عقب مباحثات أجرتها بعثته في عمّان مع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والبنك المركزي التابع لها، أن "4 سنوات من النزاع المسلح، أدى لإضعاف الاقتصاد اليمني.. ومع تعليق كبير للصادرات النفطية، استمر نقص العملة الأجنبية بتضييق الخناق على توفر الواردات الأساسية، بشكل رئيس الغذاء والوقود والأدوية".
وأكد البيان أن القوة الشرائية للسكان في اليمن، شُلّت، سيما بسبب التأثير السلبي للصراع على النشاط الاقتصادي وارتفاع معدل التضخم.
وأشار صندوق النقد الدولي إلى أن النزاع المسلح ما زال هو المسبب الرئيس للأزمة الإنسانية في اليمن، لافتاً إلى أن "هناك اتفاق بأن تحسين السياسات الاقتصادية، يضاف إليها زيادة دعم المانحين، من شأنها المساهمة في تخفيف آثار الأزمة الإنسانية على المدى القصير".
فساد بمليارات الريالات
وكشفت تقارير إخبارية اقتصادية مؤخراً، عن أن غالبية المبالغ التي جرى طباعتها في روسيا، و قدرت بمئات المليارات، تم صرفها العامين الماضي والجاري، عن طريق توجيهات خاصة من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ورئيس الوزراء السابق الدكتور أحمد عبيد بن دغر، وغالبية تلك المبالغ تم صرفها خارج الموازنة العامة للدولة التي أعلنت من قبل حكومة بن دغر للعام 2018، ولم ترى النور حتى اللحظة, وهي مبالغ ضخمة تثير التساؤلات.
وتشير الاتهامات الموثقة على حكومة بن دغر، إلى صفقات فساد كبيرة في استيراد المشتقات النفطية إلى عدن والمحافظات الجنوبية الخاضعة لسيطرة هذه الحكومة، وفي مشاريع أخرى وهمية، وتؤكد توغل الفساد في القطاع الحكومي بصورة غير مسبوقة لم تشهدها أي حكومة في تاريخ اليمن على الإطلاق، وفق مراقبين.
وبات الوضع المالي في اليمن، أكثر فوضوية وعبثية منذ قررت حكومة هادي "الشرعية" في سبتمبر 2016 نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن وتعيين محافظ جديد له، فيما رفض الحوثيون هذه الخطوة ما أدى إلى وجود بنكين مركزيين متنافسين يعملان في البلاد.
وزجت حالة الارتباك والفوضى المالية، بالكثير من اليمنيين في براثن العوز والحاجة الملحة، بعد أكثر من عامين شهدت عدم صرف الرواتب لأكثر من مليون موظف غالبيتهم يعيش في محافظات شمال اليمن الخاضعة لسيطرة الحوثيين بما فيها صنعاء، ترصد لهم الحكومة نحو 75 مليار ريال شهريا، وذلك على خلفية نقل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن.
ويعاني اليمن ضائقة مالية غير مسبوقة منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وتوقف تصدير النفط منذ أكثر من ثلاثة أعوام حيث كانت إيراداته تشكل 70 بالمائة من إيرادات البلاد، فضلا عن توقف الرسوم الجمركية والضريبية وجميع المساعدات الخارجية والاستثمارات الأجنبية وعائدات السياحة وهو ما جعل المالية العامة والقطاع الحكومي للدولة الفقيرة أصلاً على حافة الانهيار.
واليمن منقسم بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت في 26 مارس 2015 بين جماعة الحوثي المدعومة من إيران، قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عربي تقوده السعودية شن آلاف الضربات الجوية على جماعة الحوثيين في حملة لتمكين رئيس اليمن عبد ربه منصور هادي من ممارسة عمله، لكن الحملة لم تنجح في إخراج الجماعة من العاصمة صنعاء وأغلب المناطق شمالي البلاد.
وتسبب الصراع الدائر في اليمن منذ أكثر من ثلاث سنوات في مقتل نحو 11 ألف مدني يمني، وجرح مئات الآلاف، وتشريد ثلاثة ملايين داخل اليمن وفرار الآلاف خارج البلاد .
ووفقاً لتأكيدات الأمم المتحدة، بات اليمن يعاني "أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، فضلاً عن أن أكثر من 22 مليون يمني، أي أكثر من ثلثي السكان، أصبحوا بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية والحماية العاجلة، بمن فيهم 8.4 مليون شخص لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم المقبلة، ويعاني نحو مليوني طفل من النقص الحاد في التغذية.