رحب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، يوم الجمعة، بتوجيهات الرئيس اليمني عبد ربّه منصور هادي، بصرف مرتبات الموظفين المدنيين في محافظة الحُديدة الساحلية، غربي اليمن والتي يسيطر عليها الحوثيون.
واعتبر مكتب مبعوث الأمم المتحدة لليمن مارتن غريفيث في تغريدة على تويتر رصدتها وكالة ديبريفر " للأنباء " إنّ قرار الرئيس هادي خطوة مهمّة لتحسين اقتصاد البلاد وتخفيف معاناة الشعب اليمني.
وأكد أنّ المبعوث الخاص يأمل في اتخاذ المزيد من الخطوات في هذا الاتجاه.
أمس الخميس، قالت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بنسختي الرياض وعدن، والتابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، إن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وجه خلال لقاءه، الخميس في مقر إقامته بالعاصمة السعودية الرياض، بمجموعة كبيرة من أعضاء مجلس النواب السلطة التشريعية في اليمن، الحكومة بالعمل وبشكل عاجل على صرف مرتبات كافة الموظفين المدنيين في كل المجالات في محافظة الحديدة ابتداء من هذا الشهر ديسمبر.
في 20 ديسمبر الجاري، أعلن نائب محافظ البنك المركزي اليمني شكيب حبيشي إنّ البنك ينتظر تلقّي ودائع بقيمة 3 مليارات دولار، من الكويت والإمارات، في خطوة ستساهم في دعم قيمة العملة المحلية "الريال" التي شهدت تراجعاً غير مسبوق خلال الأشهر الماضية، قبل أن تعود لتحسن ملحوظ أمام العملات الأجنبية خلال الفترة الأخيرة.
وفي حال تأكّدت، فإنّ هذه الأموال ستضاف للبنك المركزي اليمني، إلى ما يزيد عن ثلاثة مليارات دولارات، منها ملياري دولار أودعتها المملكة العربية السعودية مطلع العام الجاري، بجانب مليار دولار وديعة سعودية سابقة منذ سنوات، إضافة إلى 200 مليون دولار أعلنت عنها المملكة في مطلع أكتوبر الماضي كمنحة للبنك المركزي اليمني، دعماً لمركزه المالي، وإنعاش اقتصاد البلاد المدمر بسبب الحرب.
وفقد الريال اليمني أكثر من ثلاثة أرباع قيمته مقابل الدولار الأمريكي منذ 2015، وتسبب في ارتفاع مهول للأسعار وسط عجز الكثير من اليمنيين عن شراء بعض السلع الأساسية لاسيما الغذائية، لتزيد الأوضاع المعيشية للمواطنين تفاقماً في البلاد، خصوصاً مع توقف صرف مرتبات الموظفين الحكوميين منذ أكثر من عامين.
وتوصّلت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وجماعة الحوثيين خلال مشاورات للسلام بينهما في السويد برعاية الأمم المتحدة منتصف الشهر الجاري ، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في محافظة الحديدة (220 كيلو متر غرب صنعاء)، وانسحاب لجميع القوات المقاتلة من المدينة وموانئها الحديدة والصليف ورأس عيسى، ونشر قوات محلية ومحايدة في المدينة والميناء تحت إشراف قوات أممية، وفتح ممرات إنسانية، وتمكين الأمم المتحدة من الإشراف على إدارة الميناء الذي يشكل شريان حياة لملايين المواطنين، كما تم الاتفاق على تبادل أكثر من 15 ألف أسير ومعتقل فيما تم تأجيل بقية المواضيع الشائكة إلى جولة مشاورات قادمة من المقرر أن تعقد في أواخر يناير القادم.
وبدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار في الحديدة، برعاية الأمم المتحدة في 18 ديسمبر في هذه المدينة وميناءها الاستراتيجي الهام المطل على البحر الأحمر.
ولتثبيت هذه الهدنة التي ما زالت هشّة، حضر منذ الأحد إلى الحُديدة فريق رقابة أممي دولي لتنسيق إعادة انتشار القوات بمحافظة الحديدة، برئاسة الجنرال الهولندي المتقاعد باتريك كاميرت.
وتعد قضية توحيد دور البنك المركزي اليمني والمؤسسات المالية، من أهم القضايا التي تهم وتشغل بال الرأي العام في اليمن، نظراً لارتباطها بمعيشة المواطنين والموظفين الحكوميين، الذي يعاني غالبيتهم سيما في المحافظات الشمالية ذات الكثافة السكانية والوظيفية، أوضاعا معيشية وإنسانية صعبة، بفعل انقطاع مرتباتهم الشهرية منذ أكثر من عامين حينما قررت حكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في سبتمبر 2016 نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، ما ضاعف المعاناة الإنسانية لدى الموظفين والمواطنين بشكل عام.
ومنذ أن قررت حكومة هادي في سبتمبر 2016 نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن وتعيين محافظ جديد له خلفا لمحمد بن همام، تدهور الوضع المالي للبلاد وبات أكثر فوضوية وعبثية في اليمن، وأدى لوجود بنكين مركزين في عدن وصنعاء.
وقبل صدور قرار نقل البنك كانت المرتبات تصرف لجميع موظفي الجهاز الإداري للدولة في جميع المحافظات.
الشرعية تتحمل المسئولية الأكبر
في ذات السياق قلل مراقبون ومحللون اقتصاديون محليون، من أهمية توجيهات الرئيس هادي بخصوص صرف مرتبات موظفي مدينة الحديدة .. معتبرين تلك التوجيهات مثل سابقاتها التي لم تنفذ على الواقع العملي بشيء.
وحمل هؤلاء الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، باعتبارها هي المسئولة عن الشعب أمام العالم أجمع كما تدعي وتزعم ليل نهار، مسؤولية هذه المأساة الإنسانية، الناجمة عن انقطاع المرتبات.
وأكدوا إن النسبة الأكبر من الموظفين المدنيين الواقعين تحت سلطة جماعة الحوثيين، تعيش وضعا صعبا حيث يتم تسليم مرتبات الموظفين في المؤسسات الإيرادية فقط.. مشيرين إلى إن الحكومة التي تدعي إنها شرعية تنصلت من وعودها والتزاماتها للأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حينما شرعت في نقل البنك قبل عامين، وذلك بصرف المرتبات من الأموال المطبوعة في روسيا المقدرة بنحو اثنين تريليون ريال " ألفين مليار ريال " ، لكافة الموظفين من صعدة إلى المهرة باعتبارها حكومة شرعية مسئولة وحريصة على حقوق كل أبناء الشعب شمالا وجنوبا ، لكنها لم تصرف شيء وبددت تلك الأموال الطائلة في أمور ومشاريع يشوبها فساد كبير طبقا لتقارير رسمية موثقة .
وقال محلل اقتصادي بارز لـوكالة أنباء " ديبريفر " ": لاشك ان انقطاع مرتبات غالبية موظفي الدولة في اليمن، منذ أكثر من عامين، وتحديدا في المحافظات الشمالية والغربية، عقب نقل الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا للبنك المركزي اليمني من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، يفوق بتأثيراته الحرب ذاتها، وذلك لأنه يمس حياة أكثر من سبعة إلى ثمانية ملايين يمني، ما ضاعف من حدة الفقر والمجاعة، والكارثة الإنسانية القائمة في البلاد".
وأضاف المحلل الذي فضل عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع ": المؤسف عدم وجود أي معالجات او اهتمام من قبل الحكومة الشرعية او سلطات الحوثيين، حيث حول طرفي الصراع هذه الورقة إلى أداة اقتصادية أخرى لتبادل الحرب فيما بينها والاتهامات، لكن اللوم الأكبر يقع على عاتق الحكومة الشرعية التي تتصرف باستخفاف مع مثل هذا الموضوع الذي يمس قوت المواطن وأسرته بطريقة غريبة تنم عدم الشعور بالمسئولية الوطنية التي على عاتقها ":.
وأكد": ان الأكثر خطورة من ذلك ان الحكومة الشرعية، التي تدفع مرتبات 200 ألف موظف فقط في مناطق سيطرتها، مقابل قرابة المليون موظف مدني في مناطق سيطرة الحوثيين لا يتسلمون أي مرتبات منذ نقل البنك المركزي، لجأت إلى طباعة النقود بشكل مفرط وغير طبيعي وسط غياب أية ضوابط او محاسبة على إنفاقها، فالتقديرات تشير إلى إنها طبعت قرابة أثنين تريليون ريال " ما يعادل أربعة مليار دولار " ، وفي كل مرة تريد دفع مرتبات تطبع من جديد، في ظل عدم قدرتها على ضبط الإيرادات، وهو ما افرز عن فقدان العملة المحلية أكثر من نصف قيمتها وارتفعت معدلات التضخم بشكل غير مسبوق، وكل ذلك يهدد بمشاكل اقتصادية خطيرة اشد قسوة من الحرب ذاتها":.
ويدور في اليمن منذ قرابة أربع سنوات صراعاً دموياً على السلطة بين الحكومة المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عسكري تقوده السعودية، وجماعة الحوثيين (أنصار الله ) المدعومة من إيران.
وينفذ التحالف بقيادة السعودية، منذ 26 مارس 2015، عمليات برية وجوية وبحرية ضد جماعة الحوثيين في اليمن، دعماً لقوات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته لإعادته إلى الحكم في صنعاء التي يسيطر الحوثيون عليها وأغلب المناطق شمالي البلاد منذ سبتمبر 2014.
وخلّفت الحرب أوضاعاً إنسانية وصحية صعبة، جعلت معظم السكان بحاجة إلى مساعدات، في أزمة إنسانية تعتبرها الأمم المتحدة "الأسوأ في العالم".
وتقول الأمم المتحدة إن نحو 14 مليون شخص، أو نصف سكان اليمن، قد يواجهون قريبا مجاعة، فيما تؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن نحو 1.8 مليون طفل يعانون من سوء التغذية.
وأدى الصراع الدامي إلى مقتل أكثر من 11 ألف مدني، وجرح عشرات الآلاف، وتشريد ثلاثة ملايين شخص داخل البلاد وفرار الآلاف خارجها.