كشف تحقيق نشرته وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية للأنباء، أن طرفا الصراع في اليمن ينهبان الغالبية العظمى من المساعدات الغذائية التي تقدمها الدول والمنظمات الدولية إلى المحتاجين في اليمن.
وأكد التحقيق الصحفي الذي استند على وثائق رسمية ومقابلات مع أكثر من 70 مسؤولاً عن الإغاثة الإنسانية في اليمن، أن المساعدات الغذائية لا تصل الفقراء والمحتاجين في هذا البلد الذي يعاني "أسوأ أزمة إنسانية في العالم" وفق تأكيدات الأمم المتحدة بسبب الحرب الدائرة منذ قرابة أربع سنوات بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف تقوده السعودية، وجماعة الحوثيين التي تطلق على نفسها اسم "أنصار الله" المدعومة من إيران.
وحمّل التحقيق الفصائل المسلحة في طرفي الصراع المسؤولية عن منع إيصال المساعدات الإغاثية إلى الفقراء والمحتاجين لها، مشيراً إلى أن طرفي النزاع يقومان بنهب تلك المساعدات وتوزيعها فقط على الموالين لها والمسلحين في جبهات القتال، أو يبيعونها في السوق السوداء، فيما يتضور أكثر من نصف سكان اليمن جوعاً ويواجهون المجاعة.
يأتي نشر هذا التحقيق بعد ساعات من اتهام برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، اليوم الاثنين، جماعة الحوثيين، بنهب وسرقة المساعدات الغذائية المخصصة لملايين المحتاجين في البلاد وبيعها في أسواق المحافظات والمدن الخاضعة لسيطرة الجماعة في شمال اليمن.
وكشف برنامج الأغذية العالمي في بيان له اليوم الاثنين، عن أنه ثبت لديه بالأدلة بأن مساعدات غذائية مخصصة ليمنيين يعانون الجوع الشديد، تُسرق وتباع في بعض المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثيين المدعومة من إيران.
وأشار تحقيق وكالة "أسوشيتد برس" إلى أن الأمم المتحدة تمتلك نحو خمسة آلاف مركز لتوزيع المساعدات في اليمن، لكنها اعترفت بأنها لا تستطيع مراقبة توزيع سوى 20 بالمئة من هذه المساعدات الغذائية.
وأكد التحقيق أن انتشار ظاهرة نهب المساعدات الغذائية للمحتاجين في اليمن، يقود إلى تساؤلات هامة حول مدى قدرة المنظمات والوكالات الأممية والدولية في القيام بدورها المطلوب، فضلاً عن مصير الأموال الناتجة من عملية نهب تلك المساعدات.
ووفقاً للوكالة أكد مسؤول أممي طلب عدم الكشف عن هويته، أن المساعدات الدولية المقدمة إلى اليمن تكفي لاحتواء أزمة المجاعة التي تشهدها البلاد، لكن الجزء الأكبر منها يتم نهبه من قبل طرفي الصراع ولا يصل إلى المستحقين.
ولفت التحقيق إلى أن المجاعة ما تزال مستمرة بالانتشار في اليمن رغم تكثيف المساعدات الدولية وتسهيل إدخالها إلى بعض المناطق.
وبحسب تأكيدات الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، فإن أكثر من نصف اليمنيين أي قرابة 16 مليون شخص من أصل 29 مليون، يعانون من نقص المواد الغذائية، وأن أكثر من 22 مليون يمني، أي أكثر من ثلثي السكان، بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية والحماية العاجلة، بمن فيهم 8.4 مليون شخص لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم المقبلة، فيما يعاني نحو مليوني طفل من النقص الحاد في التغذية.
وأوضح تحقيق "أسوشيتد برس" أن نهب المساعدات الإنسانية الخاصة بالفقراء يمارسه طرفا الصراع في المناطق التي يسيطران عليها، غير أن عملية النهب في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين أشد سوءاً.
وذكر التحقيق أنه في العاصمة صنعاء، تخصص الأمم المتحدة أكثر من نصف السلال الغذائية الإغاثية، لوزارة التربية والتعليم التابعة لجماعة الحوثيين لتوزيعها لاحقاً على المحتاجين، لكن تلك المساعدات لا تصل إلى الفئات المستهدفة، ويقوم الحوثيون بتوزيعها على أشخاص موالون لهم أو بيعها في السوق السوداء.
ونقلت الوكالة عن مدير تحرير صحيفة "الثورة" الرسمية اليومية التي يديرها الحوثيون في صنعاء، معين النجري، تأكيده أنه اكتشف الأسبوع الماضي بأن مئات من موظفي الصحيفة مسجلون في قوائم خاصة ببرنامج الأغذية العالمي على أساس أنهم يتسلمون مساعدات غذائية بشكل شهري من البرنامج منذ أكثر من عام، لكن الواقع أن الموظفين لم يتسلمون أي مساعدات ولا يعلمون عنها شيئاً، متسائلاً عن مصير السلال الغذائية الخاصة بالموظفين ومن يقوم بنهبها وسرقتها في ظل سيطرة الحوثيين على كل شيء.
وأشار التحقيق إلى أن وزير التجارة والصناعة السابق في حكومة الحوثيين في صنعاء، عبده بشر النائب في البرلمان اليمني الذي يسيطر عليه الحوثيين، أعلن في وقت سابق أن الوزارة سجلت وصول آلاف الأكياس من مادة "الدقيق" مقدمة من برنامج الأغذية العالمي إلى السوق السوداء، وحمل طرفي الصراع المسؤولية عن ذلك وعن ذهاب تلك المساعدات إلى غير المستحقين لها. كما كشف الوزير عن أن بعض المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين تحصل على نصيب الأسد من المساعدات الإغاثية.
وأكد مسؤولون محليون وآخرون لهم علاقة بعملية توزيع المساعدات الإغاثية، لوكالة "أستوشيتد برس" أن الحوثيين يتلاعبون بقوائم أسماء الأشخاص الذين يتلقون المساعدات الدولية، بشكل يمكنهم من نهب تلك المساعدات وحرفها إلى غير أهدافها.
وكشف مسؤول دولي رفيع المستوى مختص بالإغاثة، عن أن الحوثيين يهددون الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بحرمان موظفيها من دخول اليمن، إن لم يستجيبوا لطلباتهم وضغوطاتهم.
ونقلت الوكالة عن المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمية، دافيد بيزلي، تأكيده بأن جماعة الحوثيين تمنع الموظفين الدوليين من إيصال المساعدات إلى مناطق خاضعة لسيطرة الجماعة، مشدداً على ضرورة وضع حد لهذه التصرفات التي وصفها بـ"الإجرامية".
وتسيطر جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء وأغلب المحافظات والمناطق في شمالي اليمن منذ سبتمبر 2014، وهي محافظات ذات كثافة سكانية عالية تصل لنحو من 24 مليون يمني.
على الجانب الآخر، حصلت الوكالة على مقاطع فيديو توثق بيع بعض المواد الإغاثية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والتحالف العربي الداعم لها.
وتُظهر مقاطع الفيديو كميات من الدقيق والزيت في أكياس وعلب تحمل علامة "برنامج الأغذية العالمي" تباع في أسواق في محافظتي تعز وعدن.
وذكر التحقيق أن 57 بالمئة من سكان محافظة تعز يعانون من نقص الأغذية، ويواجه 10.5 آلاف منهم المجاعة، مبيناً أن لجنة الإغاثة في تعز أبلغت مركز الملك سلمان للإغاثة التابع للسعودية، في سبتمبر 2017 باختفاء 871 ألف سلة مخصصة لسكان المحافظة، ورفضت أطراف محلية تابعة للحكومة المعترف بها دولياً معنية بتسليم هذه المساعدات إلى اللجنة، تقديم أي توضيحات عن مصير المساعدات الإغاثية المخصصة أساساً للمحتاجين والفقراء.
وقال مدير لجنة الإغاثة في محافظة تعز، نبيل الحكيمي إن "الجيش الذي يتوجب عليه الدفاع عنا ينهب المساعدات"، في إشارة إلى قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والتي تتواجد في المحافظة، وينتمي أغلب عناصرها إلى حزب الإصلاح (فرع الاخوان المسلمين في اليمن).
وأفاد الحكيمي لوكالة "أسوشيتد برس"، بأن الوضع في تعز لم يتغير نحو الأفضل منذ توليه إدارة لجنة الإغاثة في ربيع 2018، على الرغم من وعود السلطات المحلية بالتعامل مع الموضوع.
وحذرت منظمات إنسانية وإغاثية دولية وتابعة للأمم المتحدة، مطلع ديسمبر الجاري في تقرير مشترك، من أن الملايين في اليمن يواجهون الآن أسوأ أزمة جوع في العالم، وأصبح نحو 20 مليون شخص على شفا مجاعة جراء استمرار الحرب الدامية في اليمن.
وأكدت المنظمات التي تعد من أكبر منظمات الإغاثة والإنسانية الدولية والأممية العاملة في اليمن، أن النزاع والصراع الدائر بين التحالف العربي بقيادة السعودية وجماعة الحوثيين، هو السبب الرئيسي في انعدام الأمن الغذائي في اليمن.
وقال بيان مشترك صادر وقتها، عن منظمات الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الطفولة "يونيسيف" ومنظمات دولية أخرى، إن هناك 15,9 مليون يمني يعانون من الجوع حالياً، مؤكدة على ضرورة توسيع إطار المساعدات الإنسانية بشكل عاجل لإنقاذ ملايين اليمنيين.