أعلن محافظ البنك المركزي اليمني، الدكتور محمد زمام، اليوم الجمعة، أن البنك يعتزم قريباً، ضخ عملة ورقية جديدة فئة 100 ريال، إلى السوق المحلية، لمواجهة النقص الحاد في السيولة النقدية للفئات الصغيرة.
يأتي إعلان محافظ البنك المركزي، وسط مخاوف من معاودة تهاوي وانهيار الريال اليمني، جراء ضخ عملات ورقية جديدة طبعت حديثاً.
وقال زمام، لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، في عددها الصادر اليوم الجمعة، إن البنك المركزي، فعّل الدين المحلي وفور صدور الموازنة العامة للدولة للعام 2019، فإن البنك جاهز لإصدار فئات جديدة، منها فئة 100 ريال يمني.. مشيراً إلى أن ما ينتظره البنك الآن هو فقط معرفة المؤشرات العامة للموازنة لمعرفة التعامل مع العجز.
واعتبر زمام أن أجور العاملين في الحكومة تشكل ضغطاً كبيراً لأن أي ضعف في الموارد يشكل بعض التعقيد على الموازنة.. موضحا أنه "كنا في السابق نقوم بتمويل هذا العجز من خلال الطباعة للعملة، وجرى إيقاف هذه العملية، ولن يكون هناك تمويل عجز من إصدارات جديدة للريال اليمني، وما يحدث في سد العجز الآن هو من خلال الودائع".
وبدأت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً منذ مطلع العام 2017، بضخ عملات نقدية محلية جديدة طبعت في روسيا ليصل إجمالي ما طبعته حتى الآن قرابة تريليونين "ألفين مليار ريال"، أي ما يعادل قرابة أربعة مليارات دولار.
وفي 21 ديسمبر الفائت، تسلم البنك المركزي اليمني ومقره الرئيس مدينة عدن جنوبي البلاد، دفعة جديدة من العملة المطبوعة في الخارج تقدر بنحو 147 مليار ريال، وسط تحذيرات من معاودة انخفاض وانهيار قيمة العملة المحلية.
وقالت مصادر مصرفية لوكالة "ديبريفر" للأنباء حينها، إن البنك المركزي تسلم دفعة جديدة من الأموال النقدية المطبوعة من إحدى الشركات الروسية فئة 1000 و500 و100 ريال وصلت إلى ميناء الحاويات بعدن.
وقف إخراج الأموال
وأكد محافظ البنك المركزي اليمني في حديثه اليوم الجمعة، أن البنك يعمل بالتنسيق مع الدول المجاورة خلال هذه المرحلة على وقف عمليات إخراج الأموال التي تقوم بها جماعة الحوثيين (أنصار الله)، وتؤثر على السياسية النقدية للدولة، مشيراً إلى أن البنك اتخذ جملة من الخطوات أسهمت وبشكل مباشر في تحسن قيمة الريال اليمني في الشهرين الماضيين، ولا يزال الاستقرار في إطاره، حد زعمه.
وأضاف زمام في اتصال هاتفي مع "الشرق الأوسط"، أن البنك المركزي ومركزه الرئيسي في محافظة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة للبلاد، استطاع أن يفعّل كل أدواته منذ تسلمه الوديعة السعودية في مارس الماضي، من خلال تمويل التجارة الخارجية، خصوصاً المواد الأساسية، التي أصبح أثرها على المجتمع اليمني واضحاً، متمثلاً في سهولة تمويل التجارة عبر البنك المركزي بعد أن كان هناك صعوبة في عملية التمويل بسبب إغلاق أغلب البنوك للحسابات الوسيطة، حد قوله.
واعتبر الدعم المالي للسعودية عبر دعم البنك المركزي بملياري دولار كوديعة، ودعم الموارد الخارجية للبنك بـ200 مليون دولار، وكذلك المنحة النفطية الشهرية المقدرة بنحو 60 مليون دولار للكهرباء، كلها عوامل كان لها تأثير فاعل على المستوى المعيشي بشكل عام.
وذكر أنه جرى صرف قرابة 352 مليون دولار من الوديعة السعودية، لدعم السلع الأساسية، وتوقع أن يستمر الصرف بحسب الوديعة للعام الجديد.. مشيرا إلى أن هذا الصرف يأتي متوافقاً مع المهمة الرئيسية للوديعة، حسب الاتفاق مع وزارة المالية في السعودية، بأن تكون مخصصة لتغطية الاعتمادات للمواد الأساسية للسلع.
ويستورد اليمن أكثر من 90 بالمائة من احتياجاته الغذائية بما في ذلك معظم احتياجاته من القمح وكل احتياجاته من الأرز.
ويعيش اليمن منذ قرابة أربع سنوات، صراعاً دموياً على السلطة بين الحكومة "الشرعية" المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عربي عسكري تقوده السعودية، وجماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران وتسيطر على العاصمة صنعاء وأغلب المناطق شمالي البلاد ذات الكثافة السكانية، ما أنتج أوضاعاً إنسانية صعبة، جعلت معظم سكان هذا البلد الفقير بحاجة إلى مساعدات عاجلة، في أزمة إنسانية تعتبرها الأمم المتحدة "الأسوأ في العالم".
الموارد وتهريب الأموال
وأشار زمام إلى أن الإيرادات السيادية للدولة والتي تأتي من مصدرين هما النفط والغاز، تحكمها الظروف والحالة الأمنية، متوقعاً أن يكون هناك انفراج في المناطق المنتجة للنفط.
ولفت إلى أن البنك المركزي ينتظر، الموازنة الجديدة لمعرفة مقدار الإيرادات التي سوف تقدر الدولة الحصول عليها في عام 2019، وكذا الحجم المقدر من مصروفات للدولة، مضيفاً: "عقب ذلك نتباحث مع الحكومة في كيفية تغطية العجز، ونعمل على تغطية هذا العجز من الموارد غير التضخمية؛ حتى لا يكون هناك ضغوط على العملة المحلية".
وقال محافظ البنك المركزي اليمني، إن جماعة الحوثيين لا تملك القدرة والآلية لطباعة الأوراق النقدية، مشيراً إلى أنه وبحسب المعلومات الواردة فإن ما يرد للحوثيين من الخارج يتمثل في مواد، ومن ثم يقوم الحوثيون بإخراج العملات المالية، وهذا ما يؤثر على السياسية النقدية للدولة، مؤكداً أن الأجهزة كافة مع البنك المركزي تعمل على عدم خروج هذه الأموال بشكل أساسي إلا من خلال القنوات الرسمية، إضافة إلى التنسيق مع دول الجوار في رصد هذه العمليات.
وتطرق زمام إلى ما تقوم به جماعة الحوثيين في الوقت الراهن ضد المواطنين في مواقع سيطرتها، ومن ذلك ما تقوم به عندما تمول الحكومة من خلال الوديعة السعودية جميع المواد الأساسية في كل المدن اليمنية، بما فيها المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين وتشكل 70 في المئة بحكم التركز السكاني في تلك المناطق، موضحاً أن جماعة الحوثيين "تقوم بتضييق الخناق على البنوك، وأصدرت الآن جملة من القرارات التي تقضي بمنع البنوك في صنعاء من أن تفتح الاعتمادات الرئيسية مع البنك المركزي، وفي حال السماح لها يطلب من البنوك عدم توريد النقد، رغم أن البنك يدفع بالدولار".
وفي 20 ديسمبر المنصرم، أعلن نائب محافظ البنك المركزي اليمني شكيب حبيشي، أنّ البنك ينتظر تلقّي ودائع بقيمة 3 مليارات دولار، من الكويت والإمارات، في خطوة ستساهم في دعم قيمة العملة المحلية "الريال" التي شهدت تراجعاً غير مسبوق خلال الأشهر الماضية، قبل أن تعود لتحسن ملحوظ أمام العملات الأجنبية خلال الفترة الأخيرة.
وفي حال تأكّد حديث "حبيشي"، فإنّ هذه الأموال ستضاف، إلى ما يزيد عن ثلاثة مليارات دولارات في البنك المركزي اليمني، منها ملياري دولار أودعتها المملكة العربية السعودية مطلع العام الجاري، بجانب مليار دولار وديعة سعودية سابقة منذ سنوات، إضافة إلى 200 مليون دولار أعلنت عنها المملكة في مطلع أكتوبر الماضي كمنحة للبنك المركزي اليمني، دعماً لمركزه المالي، وإنعاش اقتصاد البلاد المدمر بسبب الحرب.
وعن دور الأمم المتحدة في دعم البنك المركزي اليمني، قال المحافظ زمام: "دورها يتمحور في المساعدات الخارجية لليمن، سواء نقدية أم عينية، وتمر عبر قنوات أخرى غير البنك المركزي، وهذه يؤثر بشكل أو بآخر، وكان هناك لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة، وجرى الاتفاق على أن يُستخدَم البنك المركزي أداةً قانونيةً رسميةً لجميع التحويلات المالية، وسيكون لهذا أثر إيجابي".
وأضاف أن بعثة صندوق الدولي التي عقدت مراجعة للموازنة اليمنية في نهاية عام 2018 أوصت جميع الدول المناحة والمنظمات بأن يتم تحويل جميع المبالغ الواصلة لليمن عبر البنك المركزي؛ لما لذلك من استقرار لأسعار العملة التي تؤثر على المواطن العادي.
تحذيرات من معاودة الانهيار
يأتي إعلان محافظ البنك المركزي، عن قرب إصدار البنك عملة نقدية محلية جديدة فئة 100 ريال في وقت حذر خبراء اقتصاد واختصاصيين من استمرار الحكومة والبنك المركزي في انتهاج سياسة رفد السوق بالأموال المطبوعة حديثاً، دون وضع عدة معايير وضوابط تحكمها متعلقة بالغطاء من الذهب والنقد الأجنبي وحجم الإنتاج من السلع والخدمات والناتج المحلي والصادرات، وفي ظل غياب الرقابة والسياسات النقدية الصحيحة، ما سيؤدي في ارتفاع معدلات التضخم، وتدهور قيمة الريال اليمني بعد تحسنها الملموس خلال الفترة القليلة الماضية.
وفقد الريال اليمني أكثر من ثلاثة أرباع قيمته مقابل الدولار الأمريكي منذ 2015، وتسبب في ارتفاع مهول للأسعار وسط عجز الكثير من اليمنيين عن شراء بعض السلع الأساسية لاسيما الغذائية، لتزيد الأوضاع المعيشية للمواطنين تفاقماً، خصوصاً مع توقف صرف مرتبات الموظفين الحكوميين منذ أكثر من عامين.
ويواجه البنك المركزي اليمني، الذي يتخذ من مدينة عدن الساحلية جنوبي البلاد مقراً له، صعوبة في دفع أجور موظفي القطاع العام خصوصاً في شمال البلاد والتي يعتمد عليها الكثير من اليمنيين.
وتعد قضية توحيد دور البنك المركزي اليمني والمؤسسات المالية، من أهم القضايا التي تهم وتشغل بال الرأي العام في اليمن، نظراً لارتباطها بمعيشة المواطنين والموظفين الحكوميين، الذي يعاني غالبيتهم سيما في المحافظات الشمالية ذات الكثافة السكانية والوظيفية، أوضاعا معيشية وإنسانية صعبة، بفعل انقطاع مرتباتهم الشهرية منذ أكثر من عامين حينما قررت حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في سبتمبر 2016 نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن.
وقبل صدور قرار نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن، كانت المرتبات تصرف لجميع موظفي الجهاز الإداري للدولة في جميع المحافظات.
"الشرعية" تتحمل المسئولية الأكبر
في ذات السياق حمل مراقبون ومحللون اقتصاديون محليون، الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، المسئولية عن المعاناة الإنسانية لليمنيين الناجمة عن انقطاع المرتبات.
وأكدوا في تصريحات سابقة لوكالة "ديبريفر" للأنباءن أن النسبة الأكبر من الموظفين المدنيين الواقعين تحت سلطة جماعة الحوثيين، تعيش وضعاً حيث يتم تسليم مرتبات الموظفين في المؤسسات الإيرادية فقط.. مشيرين إلى أن الحكومة "الشرعية" تنصلت من وعودها والتزاماتها للأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حينما شرعت في نقل البنك إلى عدن، بصرف المرتبات من الأموال المطبوعة في روسيا المقدرة بنحو اثنين تريليون ريال "ألفين مليار ريال"، لكافة الموظفين في جميع أرجاء البلاد، لكنها لم توفي بتعهداتها وبددت تلك الأموال الطائلة في أمور ومشاريع يشوبها فساد كبير طبقا لتقارير رسمية موثقة.
وينفذ التحالف بقيادة السعودية، منذ 26 مارس 2015، عمليات برية وجوية وبحرية ضد جماعة الحوثيين في اليمن، دعماً لقوات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته لإعادته إلى الحكم في صنعاء التي يسيطر الحوثيون عليها وأغلب المناطق شمالي البلاد منذ سبتمبر 2014.
وخلّفت الحرب في اليمن أوضاعاً إنسانية وصحية صعبة، جعلت معظم السكان بحاجة إلى مساعدات، في أزمة إنسانية تعتبرها الأمم المتحدة "الأسوأ في العالم".
وتقول الأمم المتحدة إن نحو 14 مليون شخص، أو نصف سكان اليمن، قد يواجهون المجاعة قريبا، فيما تؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن نحو 1.8 مليون طفل يعانون من سوء التغذية.
وأدى الصراع الدامي إلى مقتل أكثر من 11 ألف مدني، وجرح عشرات الآلاف، وتشريد ثلاثة ملايين شخص داخل البلاد وفرار الآلاف خارجها.