قيادي جنوبي في اليمن: كيف تريدون من العالم تصديقكم وأنتم تخوضون حرباً تحت شعار مناقض لهدفكم؟ (تقرير خاص)

عدن (ديبريفر) خاص
2019-02-11 | منذ 5 سنة

مشهد متناقض في جنوبي اليمن

شن قيادي في ما يُعرف بالحراك الجنوبي في اليمن، هجوماً على استمرار الوضع الذي يعيشه الناس في جنوب البلاد تحت شعار "استعادة الشرعية اليمنية" التي يرأسها الرئيس عبدربه منصور هادي، في حرب مستمرة منذ نحو أربع سنوات.

لكن اليمن كلها، وليس الجنوب اليمني فقط، تعيش منذ 26 مارس 2015 في حرب ضارية بين جماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران، والحكومة اليمنية "الشرعية" المعترف بها دولياً مدعومة بقوات تحالف عربي عسكري تقوده السعودية والإمارات، تمكنت فيها قوات الرئيس هادي من استعادة السيطرة على أجزاء كبيرة في البلاد، لكن الحوثيين لا يزالون يسيطرون على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات والمناطق شمالي البلاد ذات الكثافة السكانية.

وكانت جماعة الحوثيين (أنصار الله) سيطرت بالقوة المسلحة على السلطة في اليمن في 21 سبتمبر 2014، فيما فر هادي من صنعاء إلى عدن، ثم منها إلى الرياض أواخر مارس 2015.

وتتخذ الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دولياً، محافظة عدن، جنوبي اليمن، عاصمة مؤقتة للبلاد. وعدن وفق تقرير لمجموعة الأزمات الدولية صدر في أبريل 2018 "مدينة مأخوذة رهينة في لعبة شد حبال متداخلة: هناك أنصار حكومة هادي من جهة، وخصومهم في المجلس الجنوبي المؤقت من جهة أخرى". ويضيف التقرير: "ثمة نزاع بين مصالح وطنية ومحلية متعارضة يسعى فيه الجميع للسيطرة على الموارد لكن ليس هناك قوة تحكم بشكل فعال".

وتساءل رئيس المكتب السياسي للحراك الثوري الجنوبي فادي باعوم: "بعد 4 سنوات من تضحيات الجنوبيين وبعد 4 سنوات كذب ودجل ونهب ولصوصية هل بالفعل كنتم تعتقدون ان أحداً من هؤلاء دخل الحرب كصاحب قضية؟".

وأضاف باعوم في منشور على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" رصدته وكالة "ديبريفر" للأنباء: "ماذا كان يتوقع الجنوبيون وهم يخوضون حرباً تحت شعار إعادة شرعية يمنية؟".

تساؤلات مثيرة للقيادي الجنوبي فادي باعوم

وأردف قائلاً: "بالعقل وبالمنطق هل تريدون من العالم أن يعترف بكم أو يصدقكم أو حتى يحترمكم وأنتم تخوضون حرباً تحت شعار متناقض تماماً مع هدفكم؟"، في إشارة غير مباشرة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات من جنوبي البلاد تقاتل تحت ضمن التحالف العربي لدعم "الشرعية" في اليمن.

والحراك الثوري الجنوبي مكون ضمن عديد مكونات في سياق المشهد السياسي في جنوب اليمن، تطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله.

وهو مشهد سياسي معقد ويعاني منذ سنوات عديدة من صراعات مستمرة في ما بين هذه المكونات، ويعتقد المجلس الانتقالي الجنوبي انه أكبرها ويدّعي انه الممثل الشرعي الوحيد للجنوب. لكنه عادة ما يمارس ومؤيدوه سياسة الإقصاء ضد من يختلف معهم.

ويستقوي المجلس الانتقالي الجنوبي المسلح بدولة الإمارات العربية المتحدة التي عملت على تأسيسه ودعمه وتمويله لفرض سيطرته العسكرية على جزء من عدن وعدد من المناطق في محافظات مجاورة في جنوب اليمن، بعد قيام الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في 27 أبريل 2017 بإقالة عيدروس الزبيدي من منصبه كمحافظ لعدن، ويزعم المجلس الذي يرأسه الزبيدي، بأنه الممثل الوحيد والشرعي للجنوب اليمني.

وفي 9 فبراير الجاري قام رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي بافتتاح مقر إذاعة تابعة للمجلس واحتفت وسائل إعلامه المدعومة إماراتياً بالحدث وتم نشر إعلانات ممولة تروج له.

الزبيدي يفتتح إذعة تابعة للانتقالي الجنوبي

وقال عيدروس الزبيدي عن افتتاح الاذاعة في عدن: "سعادتنا لا توصف ونحن نفتتح هذه المؤسسة، وهذه اول مؤسسات الدولة الجنوبية بدأت تعمل بشكل مباشر، فهنيئا لشعب الجنوب وهنيئا لكل جنوبي انتظر هذه اللحظات المباركة السعيدة ، وهذا اول صرح نقدمه كهدية لأسر الشهداء والجرحى وقادة المقاومة الجنوبية".

يقول دبلوماسي سابق من جنوب اليمن لوكالة "ديبريفر" للأنباء فضّل عدم الكشف عن هويته لاحتياطات أمنية: "الاستراتيجية التي يتم اتباعها في اليمن تكمن في ايجاد كيانات بديلة توازي مؤسسات الدولة لتعزيز وضع اللا دولة".

لكن فادي باعوم تساءل "هل مجموعة من الكُتّاب والمُطبلين الخليجيين ومعهم قناة العربية وبعض المأجورين الجنوبيين استطاعوا خداع شعب بأكمله؟".

وأضاف: "هل جماجم الجنوبيين التي تتدحرج في الساحل الغربي وفي الحد الجنوبي للدفاع عن السعودية رخيصة لهذا الحد؟ والسعودية في نفس الوقت ترسل 1200 جندي سعودي إلى المهرة ومثلهم إلى حضرموت لاحتلالها وإحكام السيطرة عليها؟".

وكان المجلس الانتقالي الجنوبي شن منتصف العام 2017، حملة ضد رئيس الحكومة السابق الدكتور أحمد بن دغر للإطاحة به، وفي نهاية يناير من العام الفائت 2018 قام بمحاولة انقلاب عسكري للإطاحة ببن دغر وسقط إثر ذلك نحو 70 قتيلاً وعدد آخر من الجرحى، لكن محاولته تلك باءت بالفشل.

قام الانتقالي الجنوبي بمحاولة انقلاب عسكري للإطاحة ببن دغر

كما تساءل باعوم في سياق منشوره: "هل تعتقدون إن هناك قادة جنوبيون خاضوا هذه الحرب بضمانات ولو بالحد الأدنى؟ ثم يسلمونها إلى الشرعية ثم ينخرطون فيها ثم يؤيدونها أي الشرعية في خور مكسر ثم يُقالون منها ثم يعادونها ثم يضحون بـ50 جنوبي في قتال جنوبي جنوبي ثم يتوقفون برسالة واتس آب ثم يحتضنون الحرس الجمهوري ويقاتلون معه!. هل هذا انتصار للقضية؟. لا تلوموا العربية فالقانون لا يحمي ...؟".

وكانت صحيفة "غارديان" نشرت تقريراً مطولاً بتاريخ 21 ديسمبر 2018، أكد أن الإماراتيين "هم أعضاء التحالف الوحيدون الذين لديهم استراتيجية واضحة. إنهم يستخدمون جيوشاً خاصة قاموا بتجهزيها ودربوا ومولوا جنودها في محاولة للقضاء على كل من المتشددين الجهاديين والأحزاب السياسية الإسلامية مثل الإصلاح. عبر الساحل الجنوبي – حيث تتحالف الإمارات مع الحركة الجنوبية الانفصالية، التي تعارض كلا من الحوثيين وحكومة هادي – بنى الإماراتيون سلسلة من المعسكرات والقواعد العسكرية، وأسسوا ما هو في الأساس دولة موازية، خدماتها الأمنية الخاصة التي لا تخضع للمساءلة أمام الحكومة اليمنية. كشفت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش عن وجود شبكة سجون سرية تديرها الإمارات وقواتها بالوكالة، المتهمون باختفاء وتعذيب أعضاء الإصلاح ومقاتلي الحوثيين من فصائل متناحرة، وحتى نشطاء وناقدين للتحالف السعودي الإماراتي. وقد ذهب الوزراء اليمنيون للإشارة إلى الإماراتيين على أنهم قوة احتلال".

وتضيف صحيفة "غارديان" في تقريرها الذي كتبه غيث عبدالأحد: "في ظل حكومة زايد المتشددة، احتضنت الإمارات سياسة خارجية أكثر حزماً، تهدف إلى تأسيس الإمارات كقوة إقليمية. في اليمن، لدى الإمارات ثلاث مهام مركزية منفصلة عن دعمها للتحالف السعودي. أولاً، سحق الإسلام السياسي بأي شكل. ثانياً، السيطرة على خط الساحل ذو القيمة الاستراتيجية للبحر الأحمر – عبر مضيق ضيق من القرن الأفريقي، حيث أنشأت الإمارات بالفعل قواعد عسكرية في جيبوتي وإريتريا. وثالثا، تطوير وتعزيز قواتها الخاصة، التي تدرب وتشرف على وكلاء محليين مثل قوات الحزام الأمني".

وتؤكد  "غارديان" في تقريرها: "في سبتمبر، اندلعت مظاهرات في عدن وبقية الجنوب حول حالة الاقتصاد. حتى الآن، تلاشى كل أمل في تطوير جديد، وتلاشت الحماسة مع المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي واعتبر أنه طريق إلى الاقتتال والتناحر. حتى بين أقوى الحلفاء الإماراتيين، السلفيين، كان هناك استياء متزايد لاستخدامه كعلف مدفع في حرب شخص آخر".

وفي ذكرى استقلال جنوب اليمن عن الاستعمار البريطاني في العام 1967، أقام المجلس الانتقالي عرضاً عسكرياً في عدن 30 نوفمبر 2018، مستعرضاَ قوته العسكرية في المدينة التي اقتصرت على وحدات عسكرية ترتدي شعارات "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" وبحوزتها سلاح خفيف بحضور ضباط إماراتيين.

بنى الإماراتيون سلسلة من القواعد العسكرية، واسسوا دولة موازية

يقول غيث عبدالأحد في صحيفة "غارديان": "كان اعتقاد سكان عدن أن الإمارات تدعمهم، ظنوا أن مدينتهم سوف تصبح دبي القادمة".

بالنسبة إلى مجلس الأمن الدولي فقد شدد في اجتماعه بتاريخ 4 فبراير 2019 على ما أسماها "الحاجة لإحراز تقدم للتوصل إلى اتفاق سياسي شامل للصراع في اليمن، وفق ما دعت إليه قرارات وبيانات مجلس الأمن الدولي ومبادرة مجلس التعاون الخليجي ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني"؛ مُجدداً دعوته للتطبيق "الكامل لقرارات وبيانات المجلس".

وأكد أعضاء مجلس الأمن نيتهم بشأن النظر في اتخاذ مزيد من الإجراءات وفق الضرورة لدعم تطبيق كل القرارات ذات الصلة، مُشددين على التزامهم القوي بوحدة وسيادة واستقلال اليمن وسلامة أراضيه.

في ما يتعلق بالمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، فإنه لطالما حدد مسار القضية الجنوبية في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة للوصول إلى حل سياسي ينهي النزاع المسلح في اليمن المستمر منذ أواخر مارس 2015.

يقول غريفيث: "من الضروري أن يدرك الجنوبيون ما سيحدث في المشاورات، ولاحقاً في المفاوضات لأنها ستؤثر فيهم. إن مسألة مستقبل الجنوب لن يتمّ التفاوض بشأنها في هذه المشاورات. بل ستكون جزءاً من نقاش يمني في المرحلة الانتقالية. لقد شرحنا ذلك للجنوبيين، وقد أوضحنا ذلك لجميع المعنيين وهم يوافقون على ذلك".

ويضيف: "بصفتي مبعوث الأمم المتحدة أؤمن بسيادة ووحدة وأمن أي دولة، التي هي قيم الأمم المتحدة، فإننا لا ندعم الانفصال، نحن لا ندعم أي انفصال ما لم يكن نتيجة عملية توافقية داخل تلك الدولة العضو، لذلك نحن بالفعل نأخذ الرأي القائل إن وحدة اليمن مهمة، وهي فعلاً كذلك. إذا انفصل اليمن اليوم فسيكون ذلك كارثياً".

غريفيث في أحد لقاءاته مع المجلس الانتقالي الجنوبي

وتتمسك الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بمرجعيات الحل السياسي الثلاث، وتؤكد أن "مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ومسودة الدستور اليمني الجديد، حددت بصورة واضحة شكل الدولة الجديدة التي توافق عليها اليمنيون، وهي الدولة الاتحادية البعيدة عن المركزية، وفق مبادئ العدالة والمواطنة المتساوية والحكم الرشيد".

في ما يتعلق بـ"طرح فكرة الحكم الذاتي"، تقول الحكومة اليمنية الشرعية إن "أي حديث عن شكل الدولة اليمنية يجب أن ينسجم مع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني". وتضيف: "فهمنا لبعض التصريحات التي صدرت هو في ذلك السياق، وفي الإطار ذاته الذي أقرته المرجعيات المتفق عليها، وليس غير ذلك"، في إشارة إلى أن دعوة وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس للحكم الذاتي، تقوم على أساس التقسيم الفيدرالي المقر في مؤتمر الحوار، بتحويل البلاد إلى دولة اتحادية مؤلفة من ستة أقاليم.


لمتابعة أخبارنا على تويتر
@DebrieferNet

لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام
https://telegram.me/DebrieferNet