أعلنت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، أول ميزانية عامة تفصيلية منذ الإرهاصات الأولى لاندلاع الحرب في البلاد في أواخر 2014، وذلك في خطوة تشير إلى مساعي الحكومة التي تدعمها السعودية لضبط الاقتصاد الذي يعاني الفوضى ويهدد الجوع الملايين جراء استمرار الحرب الدامية في هذا البلد الفقير منذ قرابة أربع سنوات.
وقالت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بنسختها في عدن والرياض والتابعة لهذه الحكومة، مساء الأربعاء، إن مجلس الوزراء برئاسة رئيس المجلس الدكتور معين عبد الملك سعيد، في اجتماعه مدينة عدن التي تتخذها الحكومة عاصمة مؤقتة للبلاد، أقر الإطار العام والسقوف التأشيرية للموازنات العامة للدولة للعام 2019م.
ولم توضح الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ما إذا كانت موازنة العام 2019 تشمل مرتبات كافة موظفي الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين (أنصار الله) شمالي البلاد أم لا، خصوصاً وأن الموظفين في تلك المناطق يعانون من انقطاع مرتباتهم منذ قرابة عامين ونصف ما تسبب في أوضاع معيشية صعبة للغاية.
وحدد مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2019م، إجمالي تقديرات الموارد العامة، والنفقات التشغيلية على مستوى أبواب الموازنة، إضافة إلى الموازنة الرأسمالية والاستثمارية، حيث بلغ إجمالي تقديرات الموارد العامة بكافة محافظات الجمهورية 2 تريليون و150 مليار، ما يعادل 4 مليارات و300 مليون دولار، فيما بلغت تقديرات النفقات على المستوى الوطني نحو ثلاثة تريليونات و111 مليار ريال ما يعادل ستة مليارات و270 مليون دولار، وبعجز مالي يبلغ نحو 30 بالمئة.
وقالت الحكومة اليمنية "الشرعية"، إنها تسعى لتمويل هذا العجز من مصادر غير تضخمية عبر استخدام أدوات الدين المحلي وحشد التمويلات الخارجية، إضافة إلى وضع آليات للإنفاق تتلاءم مع تدفق الإيرادات.
وتوقع مشروع الموازنة أن تشكل الإيرادات المتأتية من صادرات النفط والغاز ما نسبته ٣٢ بالمئة من إجمالي الإيرادات العامة للدولة للعام ٢٠١٩م. وتتضمن تقديرات الإيرادات الحكومية في الموازنة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والتي تقدر بـ ٦٩٢ مليار ريال.
واعتمدت موازنة الحكومة المعترف بها دولياً، سعر برميل النفط الخام المصدر بمبلغ ٥٠ دولاراً للبرميل الواحد، وتم رفع الموازنات المخصصة للمحافظات مقارنة مع مخصصات ٢٠١٤م.
وبلغت النفقات المتوقعة للمحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، ٣٣٧ مليار ريال، في حين تصل في المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون، إلى ٢٩٨ مليار ريال. وبلغت النفقات التشغيلية المركزية على المستوى الوطني تريليون و ٨٨٣ مليار ريال لكافة المحافظات.
وتعد الموازنة المقرة، أول موازنة عامة تفصيلية تعلنها الحكومة اليمنية الشرعية، منذ اندلاع الحرب في البلاد، بزيادة عن الموازنة المقرة للعام المنصرم 2018، قرابة تريليون و200 مليار ريال.
وكانت موازنة العام 2018، قدرت إجمالي الإيرادات المتوقعة عند 978 مليار ريال (2.22 مليار دولار) بينما توقعت أن يبلغ الإنفاق 1.46 تريليون ريال (3.32 مليار دولار).
وكان اليمن يعتمد على صادرات النفط الخام لتغطية عجز الموازنة، حيث تشكل حصة صادرات الخام التي تحصل عليها الحكومة اليمنية من تقاسم الإنتاج مع شركات النفط الأجنبية، نحو 70 بالمائة من موارد الموازنة العامة للدولة و63 بالمائة من إجمالي صادرات البلاد و30 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
لكن إنتاج وتصدير النفط تعطل بشكل شبه كامل منذ اندلاع الحرب في اليمن أواخر مارس 2015، بعدما أوقفت جميع الشركات النفطية الأجنبية عملياتها النفطية، وغادرت البلاد عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، ما أدى إلى تقلص الدخل الحكومي لليمن.
واليمن منتج صغير للنفط وتراجع إنتاجه إلى أقل من 200 ألف برميل يومياً قبل اندلاع الحرب الدائرة منذ قرابة أربعة أعوام بين الحكومة "الشرعية" المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عربي عسكري تقوده السعودية، وجماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران.
مصادر غير تضخمية
وفي أواخر أكتوبر الماضي وافقت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، على طلب وزارة المالية لاقتراض مبلغاً بنحو 100 مليار ريال يمني من السوق المحلية لسد عجز الموازنة، من مصادر غير تضخمية وذلك عبر إصدار سندات حكومية مالية طويلة الآجل.
ويوجد في البنك المركزي اليمني احتياط نقد أجنبي، يزيد عن ثلاثة مليارات دولارات، تشمل ملياري دولار أودعتها السعودية مطلع العام الفائت للحفاظ على العملة اليمنية من الانهيار أمام العملات الأجنبية، بجانب مليار دولار وديعة سعودية سابقة منذ سنوات، إضافة إلى 200 مليون دولار أعلنت عنها المملكة مطلع أكتوبر الماضي كمنحة لذات البنك، دعماً لمركزه المالي.
ورفع البنك المركزي اليمني ومقره الرئيس في مدينة عدن جنوبي البلاد، أواخر سبتمبر الماضي، قيمة الفائدة إلى المثلين تقريباً في مسعى لتحقيق الاستقرار للريال، بعد تظاهرات شعبية غاضبة من هبوط العملة المحلية وتردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
وفقد الريال اليمني أكثر من ثلاثة أرباع قيمته مقابل الدولار الأمريكي منذ 2015، ما تسبب في ارتفاع مهول للأسعار وسط عجز الكثير من اليمنيين عن شراء بعض السلع الأساسية لاسيما الغذائية، لتزيد الأوضاع المعيشية للمواطنين تفاقماً، خصوصاً مع توقف صرف مرتبات الموظفين الحكوميين منذ أكثر من عامين.
ويواجه البنك المركزي اليمني، صعوبة في دفع أجور موظفي القطاع العام خصوصاً في شمال البلاد والتي يعتمد عليها الكثير من اليمنيين.
وبات الوضع المالي أكثر فوضوية منذ قررت حكومة هادي "الشرعية" في سبتمبر 2016 نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، فيما رفض الحوثيون هذه الخطوة ما أدى إلى وجود بنكين مركزيين متنافسين يعملان في البلاد.
سياسة نقدية غير مجدية
يأتي لجوء الحكومة اليمنية "الشرعية"، إلى بيع السندات الحكومية إلى مصادر غير تضخمية، حد زعمها، لتمويل عجز الموازنة بعد أن كانت الحكومة قبل اندلاع الصراع في البلاد، تعتمد كلياً على تمويل العجز عن طريق سندات أذونات الخزانة قصيرة الآجل، ما أدى إلى تراكم الديون لدى البنك المركزي اليمني حتى بلغت أكثر من تريليون ريال يمني وبنسبة فائدة تتراوح بين 13 و20 بالمئة حينها، منذ أن شرعت البلاد بتطبيق تلك السياسة النقدية.
وأكد مراقبون ومتابعون اقتصاديون في تصريحات سابقة لوكالة "ديبريفر الدولية " للأنباء، أن اتجاه الحكومة والبنك المركزي، لانتهاج سياسة نقدية لتغطية عجز الموازنة عبر بيع السندات الحكومية للشركات والأفراد والبنوك التجارية، لن تكون مجدية في أفقر بلد بشبه الجزيرة العربية، حيث ارتفع التضخم لمستويات قياسية.
واستغرب هؤلاء المراقبين من لجوء الحكومة للاقتراض من القطاع الخاص، بحجة عدم وجود السيولة الكافية، في وقت مازالت الحكومة والبنك المركزي يواصلان طباعة أوراق العملة المحلية في روسيا والتي بلغت حتى الآن أكثر من تريليونين ريال خلال أقل من عامين، فضلاً عن الأموال الطائلة التي تتلقاها الحكومة الشرعية من بعض دول تحالف دعم الشرعية في اليمن، والتي أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في أواخر سبتمبر الماضي، إن إجمالي الدعم السعودي لليمن خلال 4 أعوام بلغ أكثر من 13 مليار دولار.
وتسأل هؤلاء: "أين ذهبت إيرادات الدولة الضخمة، ولماذا لم يتم توجيه السلطة المحلية في محافظة مأرب شمالي البلاد الغنية بالنفط والغاز، بدعم عجز موازنة، في ظل امتناع السلطات في مأرب عن توريد الإيرادات النفطية والغازية التي تقدر بـ45 مليار ريال شهريا، إلى البنك المركزي اليمني في عدن وفقا لما قاله محافظ البنك نفسه في تصريحات عدة".
ويتهم مراقبون ومحللون ومواطنون في اليمن، الحكومة المعترف بها دولياً بالفساد، مطالبين بمحاسبتها لإهدارها إيرادات البلاد والأموال التي تتلقاها من بعض دول التحالف، وعدم تسخرها في تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين التي ازدادت تدهوراً.
وحملوا التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات مسؤولية ما يجري في المحافظات الخاضعة لسيطرة "الشرعية" كون الدولتان تقدمان دعم سخي للحكومة اليمنية التي لم تحرك ساكناً للحد من الفساد الكبير المستشري في أجهزة الدولة، وفق اتهاماتهم.
وأشاروا إلى أن الحكومة "تقوم بنهب تلك الأموال إلى جيوب مسؤوليها وتصرف مرتبات مرتفعة بالعملة الصعبة لكافة أعضاء الحكومة، بينما الموظفين في مناطق سيطرة الشرعية يتسلمون مرتباتهم غير المنتظمة بالعملة المحلية ويعانون الأمرين بعدما أصبحت المرتبات لا تسد قوت أسرهم لأكثر أسبوع نتيجة ارتفاع أسعار كافة المواد الغذائية" في بلد يستورد أكثر من 90 بالمائة من احتياجات مواطنيه من الخارج.
وخلّف استمرار الحرب في اليمن أوضاعاً إنسانية وصحية صعبة، جعلت معظم السكان بحاجة إلى مساعدات، في أزمة إنسانية تؤكد الأمم المتحدة أنها "الأسوأ في العالم".
وينفذ التحالف بقيادة السعودية، منذ 26 مارس 2015، عمليات برية وجوية وبحرية ضد جماعة الحوثيين في اليمن، دعماً لقوات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته لإعادته إلى الحكم في صنعاء التي يسيطر الحوثيون عليها وأغلب المناطق شمالي البلاد منذ سبتمبر 2014.
وتقول الأمم المتحدة إن نحو 14 مليون شخص، أو نصف سكان اليمن، قد يواجهون المجاعة قريبا، فيما تؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن نحو 1.8 مليون طفل يعانون من سوء التغذية.
وأدى الصراع الدامي إلى مقتل أكثر من 11 ألف مدني، وجرح عشرات الآلاف، وتشريد ثلاثة ملايين شخص داخل البلاد وفرار الآلاف خارجها.