كشف تحقيق استقصائي حديث تفاصيل تنشر لأول مرة تتعلق بكيفية التخلص من جثة الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي قُتل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول مطلع أكتوبر الماضي.
وتضمن التحقيق الذي أجرته قناة "الجزيرة" القطرية مشاهد ووثائق تُعرض للمرة الأولى عن القضية، فضلا عن شهادات حصرية.
وأظهر التحقيق الذي جاء ضمن برنامج "ما خفي أعظم" بعنوان (أين الجثة؟) صوراً خاصة لفرن بُني في منزل القنصل السعودي بإسطنبول محمد العتيبي قبل تنفيذ جريمة الاغتيال بأشهر.
وكان منزل القنصل السعودي آخر مكان لظهور الحقائب التي حملها عناصر من فريق الاغتيال من مقر القنصلية إلى بيت القنصل، وبالتالي انحصرت استنتاجات المحققين الأتراك بشأن التخلص من أجزاء الجثة حيث تعتقد السلطات التركية أنه تم استخدام الفرن لإحراق أجزاء من الجثة ومحو جميع الآثار.
وتوصل التحقيق إلى الشخص الذي قام ببناء الفرن وتحفظ على هويته، حيث كشف عما دار بينه وبين القنصل السعودي، مؤكداً أن القنصل محمد العتيبي أعطاه ورقة كتبت فيها مقاسات ومواصفات الفرن وأمره بأن ينفذ فقط.
وقال العامل الذي تولى بناء الفرن إنه تفاجأ من المقاسات والمواصفات غير الاعتيادية التي سلمها له السفير العتيبي وكانت بمثابة فرن للصهر، قادر على تحمل حرارة تتجاوز 1000 درجة مئوية ويعمل بالغاز.
وأكد العامل أن الفرن لا يشوي خروفا فقط بل يشوي شخصا، حيث أن درجة حرارته تصل إلى الف درجة بينما الأفران العادية تصل درجة حرارتها الى 600 درجة، والخروف لا يحتاج إلى مثل هذه الدرجات العالية من الحرارة، مشيراً إلى القنصل طلب أن يكون الجدار من البازلت وليس من الفخار، ومقاساته أوسع، وبالتالي صار الفرن قوياً جداً.
ووفقا لما ورد في التحقيق فقد رصدت السلطات التركية اشتعال الفرن في حديقة منزل القنصل السعودي على مدار ثلاثة أيام بعد إدخال فريق الاغتيال الحقائب التي نقلت فيها أجزاء جثة خاشقجي إلى المنزل.
وأشار إلى أن السلطات التركية رصدت أيضاً طلب القنصلية السعودية 45 كيلوغراما من اللحم النيئ من أحد المطاعم، وهو ما اعتبر محاولة للتمويه على عملية حرق الجثة.
وكشفت المعلومات التي حصل عليها التحقيق التلفزيوني (ما خفي أعظم) أن أول اتصال جرى بين تركيا والسعودية بعد اختفاء خاشقجي كان بين رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مساء الجريمة وتأكدت الاستخبارات التركية بأن جمال خاشقجي لم يغادر القنصلية.
وبحسب المعلومات طالب فيدان ولي العهد السعودي بالكشف عن مصير خاشقجي لكن ابن سلمان نفى علمه بما جرى، واعتبر الطلب التركي تهديداً غير مقبولاً لتنتهي المكالمة بشكل غير ودي.
ولفت التحقيق الاستقصائي إلى أنه رغم محاولات فريق سعودي طمس كافة معالم جريمة الاغتيال بما فيها طلاء الغرفة التي جرى فيها إعدام خاشقجي، فقد عثرت سلطات البحث الجنائي التركي على آثار دماء خاشقجي فوق جدران مكتب القنصل السعودي بعد تمكنها بوسائل خاصة من إزالة الطلاء الذي وضعه فريق الاغتيال على هذه الجدران للتغطية على آثار الجريمة، كما أخذت بصمات أفراد هذا الفريق من فوق هذه الجدران.
وتمكن معد التحقيق تامر المسحال، من الوصول إلى سائق التاكسي الذي أقل مصطفى المدني أحد أعضاء فريق الاغتيال من منطقة السلطان أحمد إلى فندق موفمبيك القريب من القنصلية السعودية.
وقال سائق التاكسي إن الرجلين اللذين أقلهما كان يضحكان ويتحدثان العربية، وكانا يحملان كيساً بدا أنه كيس ملابس.
وعرض التحقيق كذلك لقطات حصرية للطائرة التي غادر فيها العقيد في الاستخبارات السعودية ماهر المطرب الذي يعتقد أنه تولى قيادة فريق الاغتيال.
كما عرض صوراً لحافلة تابعة للقنصلية السعودية حضرت إلى موقع الطائرة وأنزلت حمولتها قبيل إقلاع الطائرة.
واعتمد البرنامج في إعادة بناء قصة اغتيال خاشقجي على مقابلات أجراها مع بعض أصدقائه الأتراك الذين كانوا مقربين منه، وكذلك مع مسؤولين سياسيين وإعلاميين وأمنيين سابقين.
وتعليقا على عدم منع الاستخبارات التركية الجريمة طالما كانت على علم بها، قال متين ارسوز، مسؤول سابق في الاستخبارات التركية، إن الاحداث تطورت بسرعة كبيرة، فخلال ساعة ونصف الساعة حدث كل شيء.
وأضاف أن من غير الممكن على أي جهاز استخبارات أن يفهم ما يجري خلال هذه المدة. فحتى لو تم التعرف على تفاصيل الجريمة سيبقى إلقاء القبض على المتورطين أمراً صعباً، ورغم أنهم أوقفوا الكاميرات إلا أن بعضها كان يعمل.
وأثارت جريمة قتل خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول في الثاني من أكتوبر الماضي، غضباً عالمياً ومطالبات مستمرة بالكشف عن مكان الجثة، ومن أمر بقتله كما أثارت تساؤلات بشأن الدور المحتمل لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية والذي يسيطر بحزم على أجهزة الأمن بالمملكة.
وغيّرت السعودية مراراً روايتها الرسمية لجريمة قتل خاشقجي، فبعد أن أكّدت في بادئ الأمر أن خاشقجي غادر القنصلية حيّاً، اعترفت تحت الضغوط، أواخر أكتوبر الماضي، بأنّ الصحفي السعودي قُتل في عملية نفّذها "عناصر خارج إطار صلاحياتهم" ولم تكُن السلطات على علم بها.
وبعدما قدمت تفسيرات متضاربة، أعلنت الرياض أخيراً أنه تم تقطيع جثة خاشقجي، إثر فشل "مفاوضات لإقناعه" بالعودة إلى المملكة.