Click here to read the report in English
كشفت منظّمة العفو الدوليّة، عن تعرض أطفالاً في اليمن لعمليات اغتصاب في مدينة تعز جنوب غربي اليمن، على يد عناصر من مليشيات تابعة لحزب الإصلاح (ذراع الإخوان المسلمين في اليمن) مدعومة من التحالف العربية لدعم "الشرعية" الذي تقوده المملكة العربية السعودية.
وأكدت العفو الدولية أن بحثاً أجرته المنظمة مؤخراً، ونشرته على موقعها الإلكتروني، وثّق اغتصاب ثلاثة صبية تتراوح أعمارهم بين 8 و16 عاماً ومحاولة الاعتداء الجنسي على رابع يبلغ 12 عاماً في مدينة تعز التي تُسيطر عليها فصائل مسلحة وقوّات تابعة للحكومة اليمنية "الشرعية" المعترف بها دولياً، وتُحاصرها قوات جماعة الحوثيين (أنصار الله).
وقالت المنظمة، إن أُسر أربعة من الصبية أبلغت فرق منظّمة العفو بأنّ أبناءها تعرّضوا للاعتداء في الأشهر الثمانية الماضية، خصوصاً داخل مسجد، مشيرةً إلى أن أسر هؤلاء الصبية أبلغت إدارة التحقيقات الجنائيّة في تعز بتلك الاعتداءات، لكنّ السلطات المحلّية لم تتّخذ أيّ إجراء قانوني.
وأضافت المنضمة: "أخبرت أسر أربعة من الصبية منظمة العفو الدولية أن أبناءها تعرضوا للاعتداء الجنسي في سلسلة من الحوادث على مدى الأشهر الثمانية الماضية. وفي حالتين من هذه الحالات، ذكرت أسرتان أن المسؤولين عن الاغتصاب أفراد المليشيات الموالية لجماعة الإصلاح المدعومة من جانب التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية".
ومنذ قرابة أربع سنوات، يدور في اليمن صراع دموي على السلطة بين الحكومة "الشرعية" المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عربي عسكري تقوده السعودية ويشن ضربات جوية وبرية وبحرية في مختلف جبهات القتال وعلى معاقل جماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران، تمكنت خلالها قوات الرئيس هادي من استعادة السيطرة على أجزاء كبيرة في البلاد، لكن الحوثيين لا يزالون يسيطرون على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات والمناطق شمالي البلاد ذات الكثافة السكانية، منذ أواخر عام 2014.
وقالت مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، هبه مرايف: "إن الشهادات الأليمة التي أدلى بها هؤلاء الصغار الذين تعرضوا للاغتصاب، وشهادات أسرهم تكشف كيف أن الصراع المستمر يجعل الأطفال عرضة للاستغلال الجنسي في مدينة تعاني من ضعف أمني ومؤسسي؛ حيث يجد هؤلاء الضحايا وأسرهم أنفسهم وحدهم بلا حماية في مواجهة محنة الانتهاك الجنسي المروعة وعواقبه".
واعتبرت مرايف، أن "الاغتصاب والاعتداء الجنسي المرتكبين في سياق الصّراع المسلّح يُعدّان من جرائم الحرب، وقد يكون القادة الذين لا يضعون حدًّا لهذه الأفعال الشنيعة هم أنفسهم مسؤولون عن جرائم حرب".
وطالبت المسؤولة في منظمة العفو الدولية السلطات اليمنية إجراء تحقيقات شاملة في هذه المزاعم، من أجل "الإشارة إلى أنه لن يتم التسامح مع هذه الجرائم، ولحماية أسر الأطفال من الانتقام". وأضافت: "يجب تقديم المشتبه فيهم، بما في ذلك أعضاء القوات المتحاربة وزعماء المجتمعات المحلية الثقات، إلى القضاء ليحاكموا محاكمة عادلة".
غياب المحاسبة
وأوردت المنظمة الدولية تفاصيل مؤلمة عن طرق اغتصاب الأطفال وعدم محاسبة مرتكبي هذه الجرائم، وخوف أسر الأطفال من انتقام الجناة بعد كشف جرائمهم.
وأكدت المنظمة أن "نمط من الإفلات من العقاب والانتقام، أدى إلى تثبيط الأسر حتى الآن عن الإبلاغ عن هذه الحوادث، لا سيما وأن التقارير تشير إلى أن المشتبه بهم متوائمون سياسياً مع السلطات المحلية التي يسيطر عليها حزب الإصلاح".
وذكرت منظمة العفو الدولية أن هذه الحالات التي وثقتها "لا يبدو أنها الحوادث الوحيدة؛ فقد أبلغ بعض النشطاء المحليين وبعض الأسر عن حالتين أخريين على الأقل لأسر تخشى أن تتكلم عما جرى خوفا من انتقام المليشيات المحلية المدعومة، إلى حد كبير، من جانب أعضاء التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن. واضطرت أسرتان من الأسر الأربعة المتضررة إلى تغيير محل سكنها خوفا من انتقام المليشيات".
تفاصيل مؤلمة
ونقلت منظمة العفو الدولية تفاصيل مؤلمة عن طريقة اغتصاب الأطفال في مدينة تعز، حيث قال فتى يبلغ من العمر 16 عاما إن أحد رجال المليشيات الموالية لجماعة "الإصلاح" اغتصبه، في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2018، في المنطقة التي تسيطر عليها جماعة "الإصلاح" في ذات المدينة.
وأضاف الفتى: "هددني ببندقيته، وبدأ يضربني بكعب البندقية، ويركلني ويدفعني نحو الحائط في محاولة لإفقادي الوعي، ثم قال لي أريد أن أغتصبك. وعندئذ بدأت أبكي ورجوته أن يعتبرني كابنه. فاشتاط غضبا وبدأ يضربني أكثر، ثم قبض على عنقي وطرحني أرضا، فبدأت أصرخ، فضربني بالبندقية على عنقي ثم اغتصبني".
ووصفت أم هذا الفتى المساء الذي عاد فيه ابنها إلى المنزل بعد الحادث قائلة: "عندما وصل في ذلك المساء، اتجه مباشرة إلى دورة المياه، وعندما خرج بعد ذلك سألته ماذا به، لكنه لم يرد أن يخبرني بما حدث. ثم بدأ يبكي فبدأت أنا أيضاً في البكاء".
وتابعت الأم: "ظللنا نجلس جنبا إلى جنب لمدة ثلاثة أيام، وكلانا لا يقدر على الأكل أو الشرب أو النوم. كان في حالة نفسية سيئة للغاية من الخوف، وبدت بشرته شاحبة ومتعبة. وكان لا يفعل شيئاً سوى الجلوس والتحديق في الفراغ. وظل غير قادر على الجلوس بعد ذلك أو الذهاب لدورة المياه لثلاثة أيام".
وقدمت الأم بلاغا بالاغتصاب إلى إدارة البحث الجنائي في تعز التي أصدرت أمرا، اطلعت عليه منظمة العفو الدولية، بتكليف أحد الأطباء الشرعيين بإعداد تقرير. إلا أن الطبيب، الذي يعمل بمستشفى تسيطر عليه جماعة "الإصلاح"، رفض ذلك.
ثم طلب المستشفى من الأم مبلغاً من المال مقابل إصدار التقرير، لكنها لم تكن قادرة على تحمل التكلفة مقدما؛ فقالت إنها ستدفع عند استلامها التقرير، لكن التقرير لم يكتمل أبداً.
وذكرت أم الفتى لمنظمة العفو الدولية: "قال لي الطبيب إن ابنك ليس به شيء، وإنه لن يكتب تقريراً. وفي تلك اللحظة بدأت أصرخ في وجهه: ألا تخاف الله؟".
اغتصاب داخل مسجد
وفي حالة أخرى، نقلت منظمة العفو الدولية عن أم صبي في الثامنة من العمر قولها إن ابنها اغتُصب في واقعتين منفصلتين على الأقل، ما بين يونيو/حزيران، وأكتوبر/تشرين الأول 2018، وذلك من قِبل ابن أحد أئمة جماعة "الإصلاح"، وصديق له في أحد المساجد المحلية، مشيرةً إلى أن سلوك ابنها بدأ يتغير، وأنه صار باكيا في العديد من الاحيان.
وأوضحت أم الصبي قائلةً: "أخبرني ابني أن ابن إمام المسجد حبسه في حمام المسجد وكممه بيده حتى كاد يخنقه ثم بدأ يجرده من ملابسه، وبعد أن انتهى منه أدخل شخصا آخر ليفعل فعلته مع ابني".
وطبقا للتقارير الطبية التي اطلعت عليها منظمة العفو الدولية، فإن الصبي ذي السنوات الثمانية يعاني منذ تلك الواقعة من خلل في قدرته على الحركة، ومن عدم التركيز، ومن ارتجاج نتيجة لضربه والاعتداء عليه بصورة متكررة.
كما نقلت منظمة العفو الدولية عن والد فتى آخر، يبلغ من العمر 13 عاما، تأكيده بأن ابنه أُغتُصب من نفس الرجلين في المسجد ذاته.
وأوردت المنظمة شهادة أخرى عن أحد أقرباء صبي في الثانية عشرة من العمر، بأن أحد المتشددين الموالين لحزب الإصلاح، حاول الاعتداء جنسيا على الصبي في يوليو/تموز 2018 في مدينة تعز، لكن الصبي أفلت منه.
وأشار إلى أن الصبي تعرض للخداع لتسليم طرد إلى منزل أحد الجيران، من قبل رجل الميليشيا التابع لحزب الإصلاح والذي تتبعه بعد ذلك واعتدى عليه.
وقال قريب الصبي: "أخذه إلى غرفة نومه وألقاه على السرير وألقى بندقيته إلى جانبه، وبدأ يهدده ويخبره أنه لو صاح أو صرخ فسيستخدم بندقيته المعدة للإطلاق، ثم ذهب رجل المليشيا ليغلق باب غرفة النوم وبدأ يخلع ثيابه، وفي تلك اللحظة فزع الصبي والتقط السلاح وأطلق النار على الرجل دفاعا عن نفسه، ثم فر هاربا".
ولفت إلى أن المعتدي توفي جراء ذلك، وأبلغت أسرة الطفل السلطات المحلية بالحادث، إلا أنها لم تحظ بالحماية. فتعرضت الأسرة للاعتداء عليها في منزلها بعد يومين على أيدي رجال المليشيات الذين ينتمون لنفس جماعة المعتدي (حزب الإصلاح)، وأصيب ثلاثة من أفرادها بإصابات تطلبت التدخل الجراحي، بينما قتل شخص آخر في هذه الصدامات.
وذكر الشاهد، أن السلطات المحلية وضعت الصبي البالغ من العمر 12 عاما وأباه وأخويه رهن الاعتقال الطوعي لمدة أسبوعين، بعد الاعتداء لحمايتهم من المزيد من الأعمال الانتقامية.
ووفقاً لأسرة الصبي، لم يتم القبض على رجال الميليشيات التابعة لحزب الإصلاح بسبب الاعتداء الذي وقع لاحقاً، واضطرت الأسرة إلى الانتقال إلى خارج مدينة تعز بسبب الخوف من الانتقام، ما أدى إلى إغلاق أعمالها التجارية.
وأفادت المنظمة بأن السلطات في تعز لم تقبض على أي شخص فيما يتعلق بحالة الطفل البالغ من العمر 16عاماً، ومازال الجاني حراً طليقا، فيما تحتجز السلطات حالياً المتهمين في القضيتين الأخريين على ذمة المحاكمة.
وبموجب القانون اليمني، يُمكن الحكم على الأشخاص المتّهمين بالعنف الجنسي بالإعدام. وقد أُعدم العديد من الرجال علناً في السنوات الأخيرة بسبب اغتصابهم أطفالاً وقتلِهم. لكن منظمة العفو الدولية تعارض فرض عقوبة الإعدام في كافة أنواع القضايا بلا استثناء.
وتعيش محافظة تعز جنوب غربي اليمن حالة من التوتر، في ظل توقعات بعودة الصدامات المسلحة بين فصائل عسكرية لما يسمى "الجيش الوطني" التابع للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وذلك لتنازعها السيطرة فيما بينها على مناطق مهمة في المحافظة وداخل مدينة تعز، وجميع تلك الفصائل تواجه قوات الحوثيين المنتشرة في عدد من مناطق المحافظة وتسيطر على مداخل المدينة الرئيسية.
ويتنازع حزبا الإصلاح والناصري ومجموعة سلفية السيطرة العسكرية والسياسية على بعض مناطق ومديريات محافظة تعز، بعد أن تم تخليصها من قبضة الحوثيين، حيث تخوض تلك الفصائل العسكرية مواجهات متقطعة في عدد من المناطق بما فيها داخل مدينة تعز.
وتحظى الفصائل العسكرية التابعة للإصلاح في محافظة تعز بدعم سياسي وعسكري مكثف من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ونائبه علي محسن الأحمر الموالي لحزب الإصلاح، ومن قيادة هيئة الأركان العامة لقوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أو ما يسمى "الجيش الوطني" الذي يسيطر عليه "الاخوان المسلمين" منذ بدء تكوينه قبل أربع سنوات.