اتهم محافظ البنك المركزي اليمني حافظ فاخر معياد ، جماعة الحوثيين " أنصار الله " بتعمد عرقلة تطبيق آلية البنوك اليمنية ، لتسهيل عملية الاعتمادات المستندية لطلبات التجار لاستيراد السلع والمواد الأساسية في جميع المحافظات .
وقال معياد في كلمه خلال اجتماعه ومعه وزير الخارجية في الحكومة المعترف بها دولياً خالد اليماني بسفراء مجموعة الـ 19 الراعية لعملية السلام في اليمن ، أمس الأربعاء ، في الرياض " أن الآلية في القرار (75) ، ركزت على مجموعة من الشروط لضمان مرور التحويلات عبر النظام المصرفي الخاضع للمواصفات الدولية لمحاربة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، بالإضافة إلى الحد من المضاربة على العملة والمساعدة على استقرارها".
وأكد المحافظ معياد أن رسائل الاعتماد التي يحصل عليها التجار من خلال الوديعة السعودية، يتم عبر الطريقة المصرفية المعتادة والنظامية، لتمويل الواردات الغذائية والأساسية ولا تستخدم في أي جهود حربية، وأن هذه الخطوات أعادت إلى حد ما الدورة المالية من السوق السوداء إلى القطاع المصرفي.
وأشار معياد ، إلى أنه بعد أربع أشهر من تطبيق هذه الآلية، جمع الحوثيون التجار في صنعاء لمنعهم من التعامل مع الآلية الرسمية لخطابات الاعتماد التي يقدمها البنك المركزي، مهددين بإنزال إجراءات قاسية على من يحاول التعامل مع الآلية الجديدة، وقد قاموا فعلا باعتقال بعض التجار وبعض أقاربهم، بهدف إلغاء آلية البنوك، وعودة دخول النفط الإيراني من جديد.. موضحاً أن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا ، أوجدت بدائل أخرى سيتم تنفيذها.
كما اتهم محافظ البنك المركزي اليمني ، جماعة الحوثيين بمنع البنوك في مناطق سيطرتها من التقديم على طلبات الاعتمادات لاستيراد السلع الغذائية وسجنوا موظفين من بعض البنوك واستدعوا رؤساء مجالس الإدارات وأجبروهم على توقيع تعهدات.
لكنه ذكر بأنه في المقابل يعمل البنك المركزي حالياً على اتخاذ إجراءات كبيرة لكي نوصل الواردات الغذائية للمناطق التي مازالت تحت سيطرت الميليشيات الحوثية .
وكانت تقارير إخبارية ، كشفت مؤخراً ، عن إن جماعة الحوثيين التي تسيطر على العاصمة صنعاء وأغلب محافظات الشمال اليمني ذات الكثافة السكانية العالية، هددت البنوك بعقوبات كبيرة إذا لم تنفذ طلباتها.
ورفضت البنوك التجارية العاملة في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مؤخراً، ضمن التزامها بتعليمات الحوثيين، تنفيذ آلية الاعتمادات البنكية المدعومة من الوديعة السعودية، والتي تتيح استيراد المواد الغذائية بأسعار مخفضة، ما لم يقم التجار بدفع نصف قيمة الاعتمادات في صنعاء، وهو ما سينعكس سلباً على أسعار المواد الغذائية وحجم المخزون الغذائي.
ووصف مستوردون إجراء الحوثي بالـ"خطير"، وسيعمل على تعطيل حركة استيراد المواد الغذائية وانخفاض المخزون المحلي من الأغذية.
ويرى محللون اقتصاديون أن جماعة الحوثيين، مازالت تعمل على استغلال وجود المراكز الرئيسية للبنوك والشركات التجارية في صنعاء، لإملاء شروطه الجماعة عليها.
وأفادت مصادر اقتصادية في وقت سابق أن الحوثيين منعوا البنوك في صنعاء من فتح اعتمادات مستندية لدى البنك المركزي في عدن، وسجنوا عباس ناصر نائب مدير بنك اليمن والبحرين الشامل، ومديري بنوك آخرين، بحجة أن البنك قام بتقديم طلب فتح اعتمادات لاستيراد مواد غذائية أساسية لدى البنك المركزي في عدن، بموجب نظام الاستعاضة المعمول به في مقر البنك بعدن.
وبات الوضع المالي أكثر فوضوية منذ قررت حكومة هادي "الشرعية" في سبتمبر 2016 نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، فيما رفض الحوثيون هذه الخطوة ما أدى إلى وجود بنكين مركزيين متنافسين يعملان في البلاد.
وقبل صدور قرار نقل البنك كانت المرتبات تصرف لجميع موظفي الجهاز الإداري للدولة في جميع المحافظات.
ويواجه البنك المركزي اليمني، ومقره الرئيس مدينة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة للبلاد، صعوبة في دفع أجور موظفي القطاع العام خصوصاً في شمال البلاد والتي يعتمد عليها الكثير من اليمنيين، لأكثر من عامين ونصف ، وذلك على الرغم من تعهد حكومة "هادي" حينما قررت نقل البنك إلى عدن، بصرف مرتبات جميع موظفي الدولة، لكنها لم تفي بتعهدها.
وبات اليمن بفعل الحرب الدائرة فيه منذ أكثر من أربع سنوات، يعاني من "أسوأ أزمة إنسانية في العالم" بحسب الأمم المتحدة، فيما قُتل نحو 11 ألف مدني أصبح 22 مليون شخص، أي نحو 75 بالمائة من عدد السكان، في أمس الحاجة الى أي شكل من المساعدات والحماية الإنسانية، ولايعرف 8.4 مليون شخص من أين يحصلون على وجبتهم القادمة.
بداية الأزمة
وبدأت الأزمة الحقيقية بين المؤسسات المالية التابعة "للشرعية" في عدن والأخرى الخاضعة للحوثيين بصنعاء ، بعد أن أعلنت الحكومة الشرعية عن استئناف تمويل واردات السلع الأساسية، في سبتمبر 2018، بالاستفادة من وديعة سعودية بملياري دولار، وربط عملية فتح الاعتمادات بالمصرف المركزي التابع للحكومة.
ويقوم البنك المركزي اليمني ومقره الرئيس بمدينة عدن جنوبي البلاد ، منذ ثمانية أشهر ، بتوفير العملة الصعبة للاعتمادات بسعر مخفض عن السوق لتغطية واردات المواد الأساسية، وفتح البنك لموردي السلع الرئيسية (قمح، ذرة، أرز، سكر، حليب أطفال، زيت الطبخ) ، اعتمادات تصل إلى حوالي 200 ألف دولار، على أن يقوموا بتوريد قيمتها إلى مقر البنك في عدن بالعملة المحلية وبالتسعيرة الرسمية.
ويؤكد البنك المركزي اليمني، أن الوديعة مخصصة لتمويل استيراد المواد الأساسية لجميع سكان اليمن دون تفريق وأن أسعار المصارفة ثابت حسب أسعار العام 2018.
وحدد البنك المركزي سعر المصارفة لاستيراد السلع بنفس السعر الرسمي المحدد منذ مطلع ديسمبر الماضي،بـ٤٤٠ ريالاً يمنياً للدولار الواحد ، لكنه وصل في السوق الموازية إلى قرابة 520 ريالاً حالياً.
ويسيطر البنك المركزي في عدن التابع للحكومة المعترف بها دوليا على نحو 95% من النشاط المصرفي، ويملك نظام “سويفت كود” للحوالات المالية وحق إدارة الاحتياطيات النقدية في الخارج، كما يسيطر على الاعتمادات المستندية بنسبة 100%، لكن الحوثيين يريدون انتزاع 50% من الاعتمادات، ما يهدد بتعطل واردات الوقود.
وتقوم البنوك التجارية، بدور الوسيط للشركات التجارية، حيث تتولى نقل قيمة الواردات بالعملة المحلية إلى البنك المركزي عدن الذي يتولى بدوره تغطية قيمتها من العملة الأميركية، لكن البنوك توقفت، منذ 10 مارس الماضي ، عن قبول طلبات التجار وأوقفت الدخول في طلبات تغطية الاعتمادات المستندية التي يعلن عنها البنك المركزي اليمني في عدن لتغطية اعتمادات استيراد السلع.
ووصلت المبالغ المسحوبة من الوديعة السعودية لتغطية الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع الأساسية إلى يوم 26 مارس الفائت نحو 834.7 مليون دولار حتى الآن، لتغطية الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع الأساسية التي كان القمح في مقدمتها بنسبة 47 بالمئة.
ويوجد في البنك المركزي اليمني احتياط نقد أجنبي بأكثر من ثلاثة مليارات دولارات، عبارة عن ملياري دولار أودعتها المملكة العربية السعودية، مطلع العام الفائت، بجانب مليار دولار وديعة سعودية سابقة منذ سنوات، إضافة إلى 200 مليون دولار أعلنت عنها المملكة في مطلع أكتوبر الماضي كمنحة لذات البنك، دعماً لمركزه المالي.
ويستورد اليمن أكثر من 90 بالمائة من احتياجاته الغذائية بما في ذلك معظم احتياجاته من القمح وكل احتياجاته من الأرز.
استقرار العملة
وأكد محافظ البنك المركزي اليمني حافظ فاخر معياد أن البنك يركز حالياً على استقرار العملة، وإعادة العمل بالآليات القانونية الخاضعة للمواصفات الدولية لكافة عمليات التحويلات البنكية واستئناف الدور المالية في القطاع المصرفي واستعادتها من السوق السوداء، الأمر الذي سيرفع من القدرة على محاربة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال.
وذكر معياد ، بأن الحكومة قد اتخذت مجموعة من القرارات الهادفة إلى تحسين الوضع الاقتصادي ودعم قيمة الريال اليمني من دون التأثير على مستوى الواردات من البضائع والوقود، وأبرز هذه القرارات هو القرار رقم 75 لسنة 2018 للحد من تهريب النفط الإيراني الذي يستخدمه الحوثيون لتمويل الحرب ، موضحًا كيف أن الحوثيين استخدموا النفط الإيراني الذي يحصلون عليه مجانا ويبيعونه في السوق السوداء لتمويل حربهم .
وكانت لجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية بمراقبة العقوبات ضد اليمن قالت في تقريرها النهائي للعام 2018، الذي صدر نهاية يناير الماضي إن جماعة الحوثيين تحصل على ما لا يقل عن 300 مليون دولار سنوياً من عائدات وقود مشحون من موانئ في إيران، تساهم في تمويل حربها مع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً المدعومة من تحالف عربي تقوده السعودية.
وأوضحت اللجنة أن جماعة الحوثيين تتحصل سنوياً على 407 مليارات ريال يمني ما يعادل نحو "740 مليون دولار"، كإيرادات تأتي من الشركات ورسوم تراخيص شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية والتبغ وغيرها.
وذكر التقرير أن الحوثيين يحصلون أيضاً على ما لا يقل عن 300 مليون دولار سنوياً من خلال الرسوم المفروضة على واردات الوقود عبر ميناء الحديدة وبمتوسط شهري يبلغ 25 مليون دولار، بجانب عائدات الوقود المباع في السوق السوداء والذي ارتفعت أسعاره عدة مرات خلال العامين الماضيين.
وأوضح التقرير الأممي، أن موارد الحوثيين عديدة وأن الجماعة مستمرة في تحصيل الإتاوات الجمركية في الموانئ الخاضعة لسيطرتها في الحديدة والصليف على البحر الأحمر، كما أنها مستمرة أيضاً في تحصيل إيرادات جمركية إضافية في مدينة ذمار (100 كيلو متر جنوب العاصمة صنعاء)، التي تمر عبرها جميع الواردات تقريباً بعد وصولها إلى اليمن من المعابر والموانئ الخاضعة لسلطة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً في جنوب البلاد.
وفقد الريال اليمني أكثر من ثلاثة أرباع قيمته مقابل الدولار الأمريكي منذ 2015، وتسبب في ارتفاع مهول للأسعار، وسط عجز الكثير من اليمنيين عن شراء بعض السلع الأساسية لاسيما الغذائية، لتزيد الأوضاع المعيشية للمواطنين تفاقماً، خصوصاً مع توقف صرف مرتبات الموظفين الحكوميين الشهرية منذ نحو عامين ونصف حينما قررت حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في سبتمبر 2016 نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن.
كان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أصدر في 20 مارس الجاري ، قراراً بتعيين حافظ فاخر معياد محافظا للبنك المركزي اليمني ، خلفا لمحمد منصور زمام .
يأتي قرار هادي ، بتعيين معياد أحد الشخصيات الاقتصادية ، التي كانت مقربة من سلفه الرئيس الراحل، علي عبدالله صالح، ، بعد أقل من ثمانية أشهر من تعيينه مستشارا للرئيس ورئيسا اللجنة الاقتصادية .
وأعلن البنك المركزي اليمني، في 24 مارس الفائت ، أنه يعتزم البدء قريبا تنفيذ خطة عمل طارئة تهدف إلى تعزيز الاستقرار في سعر العملة المحلية "الريال" المتداعية أمام العملات الأجنبية.
وقال قطاع الرقابة على البنوك في البنك المركزي اليمني ، في بيان صادر عنه حينها ، إن هدف الخطة هو استعادة استقرار سعر الريال اليمني وتغطية احتياجات الاستيراد، لما يمثله ذلك من أهمية كبيرة في تحسين الوضع الاقتصادي اليمني وتحسين الوضع الإنساني والمعيشي للمواطن اليمني في كل اليمن.
وذكر البيان أن خطة البنك المركزي تهدف إلى إعادة الاعتبار لقطاع الصرافة وبما يخدم مصلحة الوطن والاقتصاد بعد أن تم تشويهه ودخول دخلاء عملوا على الإساءة لقطاع الصرافة.