فيما تعمل الإمارات على إبقاء الموانئ اليمنية في ركود كي لايتأثر

السعودية تشرع في مد أنبوب نفطي إلى ميناء نشطون اليمني.. وهادي وحكومته يلتزمان الصمت (تقرير خاص)

عدن – ديبريفر
2018-06-11 | منذ 5 سنة

خريطة توضح مسار أنبوب النفط السعودي من خرخير إلى ميناء نشطون اليمني

 

  شرعت المملكة العربية السعودية في التحضير لتنفيذ طموحها في مد أنبوب نفط دولي من أراضيها إلى بحر العرب عبر الأراضي اليمنية وتحديداً محافظة المهرة (شرقي اليمن) الحدودية مع السعودية وسلطنة عُمان ليصب الأنبوب في ميناء نشطون على ساحل المحافظة ذاتها.

 

ظروف ملائمة

 الطموح السعودي ليس وليد اللحظة بل كان حلماً يراود المملكة منذ زمن وتحديداً إبان حكم الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح الذي وضع شروطاً لمرور الأنبوب من أراضي بلاده رأتها السعودية غير ملائمة لها ما دفعها للعدول عن تنفيذ طموحاتها.

 غير أن الظروف اليوم، أصبحت أكثر ملائمة لتنفيذ طموح المملكة سيما مع السيطرة شبه الكاملة للتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية، على قرار الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً ورئيس البلاد عبدربه منصور هادي الذي يتخذ وحكومته من الرياض مقراً لإدارة شؤون اليمن وتخوض قواته بدعم من التحالف حرباً ضارية سيما في أغلب المحافظات الشمالية والغربية ضد جماعة الحوثيين (أنصار الله) منذ أكثر من ثلاثة أعوام بغية العودة إلى الحكم في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون بعد فرار الرئيس هادي منها في يناير 2015.

 

بديل لـ"هرمز"

 وكشفت مصادر خاصة لوكالة الأنباء "ديبريفر" عن أن شروع السعودية في إنشاء خط أنبوب نفطي دولي إلى البحر العربي يأتي ضمن مساعي المملكة لامتلاك خط ناقل بديل لطرق صادرات النفط الخليجي الضخم يكون تحت سيطرتها، بعيداً عن التهديدات الإيرانية المستمرة بإغلاق مضيق هرمز الذي تتحكم به إيران، علماً أنه أيضاً المنفذ البحري الوحيد لدول العراق والكويت والبحرين وقطر.

 ويعد مضيق هرمز أهم مسار بحري لنقل النفط في العالم، وتمر فيه قرابة 30 ناقلة نفط يومياً تحمل ما يقارب 15 مليون برميل من الخام، أي نحو 30% من إجمالي تجارة النفط المنقول بحرا.

  وبحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن السعودية التي تُعد أكبر منتج للنفط في العالم بـ10 ملايين برميل يومياً، تصدر معظم نفطها في ناقلات تمرّ في مضيق هرمز.

 ويجب أن تمر معظم كميات النفط الخام المصدرة من السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى جميع كميات النفط المصدر من الكويت والعراق والبحرين والغاز الطبيعي المسال من قطر، عبر مضيق هرمز الذي يبلغ عرضه بين 50 و34 كيلو متر بين سلطنة عُمان وإيران.

 ويدور صراع مستمر بين السعودية وإيران من أجل الزعامة على قيادة العالم العربي والإسلامي، وتجلى ذلك الصراع الذي ينظر له على نطاق واسع على أنه حرب بالوكالة بين السعودية وإيران، في الحرب المستمرة في اليمن منذ أكثر من ثلاثة أعوام وبصورة أخف في سوريا ولبنان والعراق.

  وأكدت تقارير إخبارية يمنية أن السعودية تعتزم جديا إنشاء خط أنبوب نفطي دولي يمتد من حدودها إلى محافظة المهرة، فيما نقل موقع "المهرة بوست" الإخباري عن مصادر وصفها بـ"الخاصة" في محافظة المهرة اليمنية قولها: "إن السعودية بدأت في تنفيذ مشروع الأنبوب النفطي والذي يمتد من منطقة الخرخير في الحدود السعودية المحاذية لمحافظة المهرة إلى ميناء نشطون اليمني القريب من الحدود مع سلطنة عمان".

 

ماوراء زيارة السفير السعودي؟

 ولفتت المصادر إلى أن هذه الخطوات جاءت بعد زيارة السفير السعودي لدى اليمن المشرف العام على البرنامج السعودي لإعادة الأعمار في اليمن، محمد آل جابر، إلى محافظة المهرة مطلع يونيو الجاري.

  ونقلت وكالة الأنباء السعودية (واس) عن السفير آل جابر خلال زيارته قوله "إن محافظة المهرة تحظى بدعم واهتمام من قبل السلطات السعودية، وتعمل على تطبيع الأوضاع في اليمن بشكل عام بالتوازي مع الحكومة الشرعية لليمن".

 وكشف مراسل "ديبريفر" في اليمن إلى أن الزيارة الخاصة للسفير السعودي لمحافظة المهرة عقب زيارته لمحافظة مأرب اليمنية مباشرة، كان هدفها العمل على تهيئة الظروف والإطلاع عن كثب على التحضيرات الجارية لمد الأنبوب النفطي من السعودية إلى ميناء نشطون اليمني.

  وأشار مراسل "ديبريفر" إلى أنه كان لافتاً تجاوز السفير السعودي محافظتي شبوة وحضرموت وقفزه من مأرب إلى المهرة قبل أن يعود إلى بلاده، في إشارة إلى الهدف الفعلي من الزيارة.

  إلى ذلك أوضحت مصادر "ديبريفر" أن شركة أرامكو النفطية السعودية الشهيرة، أعدت دراسات ميدانية ومسحية في المناطق التي سيمر منها الأنبوب، مستغلة في ذلك تواجد قوات سعودية بشكل مستمر في المهرة سيما في مطار مدينة الغيضة عاصمة المحافظة وميناء نشطون.

السفير السعودي لدى اليمن خلال زيارته للمهرة 

 

تحركات سعودية مريبة

 ولاحظ مراسل "ديبريفر" خلال مروره من محافظة المهرة اليمنية (1800 كيلو متر شرق صنعاء)، بعض الأعمال التي تدل على شروع السعودية بالتحضير لبدء مشروع الأنبوب النفطي، حيث لاحظ أعمال إعادة تأهيل وشق طريق ممتد من منطقة خرخير السعودية إلى الساحل المهري.

  كما لاحظ انتشار لقوات عسكرية سعودية في مطار الغيضة الذي بات أشبه بقاعدة عسكرية لتلك القوات في المهرة.

  فيما ذكرت مصادر في المهرة لوكالة الأنباء "ديبريفر" أنه تم فعلاً البدء في شق طريق اسفلتي خاص يمتد من الخرخير السعودية إلى ميناء نشطون الحيوي في اليمن، واستغلاله لصالح عمل القوات العسكرية وتأمين أنبوب النفط.

 وكانت وكالة الأنباء السعودية أعلنت في كانون الأول ديسمبر 2017 أن التحالف العربي الذي تقوده السعودية أعاد تشغيل مطار الغيضة بمحافظة المهرة أمام الطائرات المحملة بمساعدات إغاثية وإنسانية.

 ونقلت الوكالة عن مصدر رسمي في قيادة قوات التحالف قوله إن تشغيل المطار تم بالتنسيق مع الحكومة الشرعية في اليمن.

 وزعم المصدر أن قوات التحالف قامت بتسخير كافة الإمكانات للإسهام في إيصال المساعدات الإنسانية والمواد الإغاثية إلى مستحقيها بالداخل اليمني.

 

السعودية تعزز تواجدها بالمهرة

 ووفقاً لمصادر خاصة لوكالة الأنباء "ديبريفر"، عززت القوات السعودية من تواجدها في محافظة المهرة في الآونة الأخيرة وسيطرت بشكل غير معلن على الموانئ والمواقع الحيوية في المحافظة إلى جانب إرسالها لقوات ومعدات عسكرية مطلع العام الحالي.

  وكشف سكان محليون في محافظة المهرة لمراسل "ديبريفر"، عن أن قوات عسكرية سعودية توغلت في الأراضي اليمنية بعمق يصل إلى 15 كيلومتر داخل اراضي محافظة المهرة وهي أراضي صحراوية قاحلة، متخطية بذلك خط الحدود المرسم بين البلدين.

 

قوات لحماية الأنبوب

  ومن أجل تنفيذ المشروع الاستراتيجي للسعودية المتمثل بالأنبوب النفطي على سواحل البحر العربي، كان لابد من إنشاء قوة عسكرية وأمنية موالية للمملكة صاحبة المشروع، وذلك ما يبرر التواجد العسكري السعودي في محافظة المهرة.

  لكن وقبل أن تتواجد السعودية بقوة في المهرة، كانت الإمارات العربية المتحدة سبقتها إلى المحافظة كبقية المحافظات الجنوبية لليمن.

  وقالت مصادر سياسية وقبلية من جنوب اليمن لـ"ديبريفر" إن الإمارات ومنذ دخولها في الحرب باليمن ضمن التحالف العربي بقيادة السعودية قبل ثلاث سنوات، عملت على إنشاء قوات عسكرية وأمنية موالية لها، مولتها ودربتها وجهزتها بالآليات والمعدات في كافة المحافظات الجنوبية.

  ومن تلك القوات، ما يسمى "قوات النخبة" و "الحزام الأمني" في كل المحافظات جنوب اليمن، ولذلك أنشأت الإمارات "قوات النخبة المهرية" أسوة ببقية محافظات الجنوب كأبين وشبوة وحضرموت ولحج، وهي قوات محلية تخضع لتوجيهات الإمارات ولا علاقة لها بالحكومة اليمنية المعترف بها دولياً ومقرها الرياض.

جانب من قوات النخبة التي انشأتها الإمارات في المحافظات اليمنية

 

 

خلاف سعودي إماراتي على المهرة

  وأفادت مصادر وكالة الأنباء "ديبريفر" أن خلاف نشب بين السعودية والإمارات بشأن تلك القوات، لكن سرعان ما تم تلافيه.

  وأشارت المصادر إلى أن الإمارات كانت تريد السيطرة على المهرة عبر تلك القوات المحلية الموالية لها كما فعلت في كافة المحافظات الجنوبية، وذلك ما رفضه السعوديون كونه يقف عائق لتنفيذ مشروعهم (الأنبوب النفطي).

 وكشفت المصادر أن الإمارات اتفقت لاحقاً مع السعودية على تجهيز تلك القوات المحلية وتسليمها للسعودية لتتولى الإشراف عليها في محافظة المهرة لتكون بجانب القوات السعودية التي وصلت المهرة لتولي زمام السيطرة فيها، وتأمين خط الأنبوب النفطي بشكل مباشر.

  ولفتت مصادر "ديبريفر" إلى أن الاتفاق جاء بعدما قدمت السعودية تعهدات وضمانات للإمارات بعدم تنشيط الموانئ اليمنية في المهرة حتى لا تؤثر على ميناء جبل علي الشهير في دبي.

 

هادي وحكومته صامتون

  ورغم كل التحركات السعودية الواضحة بشأن إنشاء الأنبوب النفطي، التزم الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وحكومته المعترف بها دولياً الصمت، ولم يصدر منهما أي تعليق على الأمر.

  وبدا الرئيس هادي وحكومته مغلوبون على أمرهم سيما وأنهم يقيمون في العاصمة السعودية الرياض، فيما تقول مصادر "ديبريفر" إن المملكة تعد اتفاقية بينها واليمن بشأن أنبوب النفط، وما على "هادي" وحكومته سوى التوقيع عليها، كإجراء رسمي.

 

عُمان بين كماشة إماراتية

  وأكدت المصادر أن من بين الأسباب التي أجبرت الإمارات على الانسحاب من المهرة، هو ضغوطات مارستها سلطنة عُمان التي شعرت أنها أصبحت بين كماشة إماراتية عسكرية، حيث تحد الإمارات، عُمان من الجهة الشمالية الشرقية، فيما تتواجد قوات إماراتية وأخرى موالية لها في محافظة المهرة اليمنية التي تحد عُمان من الناحية الغربية.

  وكشفت مصادر "ديبريفر" إن الإمارات فضلت الانسحاب من المهرة بغية تخفيف حدة الاحتقان مع سلطنة عمان الجارة لليمن على خلفية الاتهامات التي أطلقتها أبو ظبي لمسقط بمساعدتها للحوثيين في تهريب السلاح عبر حدودها مع اليمن وهو ما تنفيه السلطنة.

خريطة توضح وقوع سلطنة عمان بين كماشة إماراتية

 

استياء في المهرة

 وأثار اعتزام السعودية إنشاء الأنبوب النفطي استياءً واسعا في أوساط الوجهاء والشخصيات الاجتماعية في اليمن بشكل عام وفي محافظة المهرة بشكل خاص.

 وذكر مراسل "ديبريفر" أن شخصيات اجتماعية ووجهاء في محافظة المهرة خلال لقائه بها، عبرت عن استيائها من الإجراءات المتسارعة التي تقوم بها قوات التحالف العربي بقيادة السعودية باعتبار تلك الإجراءات انتهاكاً للسيادة اليمنية وبعيدة عن أهداف التحالف المعلنة.

 وأكدوا أن ذلك يعزز ما ذهبت إليه المعلومات والتقارير الإخبارية السابقة عن مطامع سعودية إماراتية توسعية والاتجاه لنقل النفط عن طريق البحر العربي وخليج عدن.

 

السعودية والإمارات تتقاسم الكعكة

  وكانت تقارير إعلامية كشفت في وقت سابق عن أطماع سعودية وإماراتية في اليمن من خلال قيادتها لتحالف عربي يشن هجمات منذ 26 مارس 2015 على معاقل وقوات جماعة الحوثيين التي يصفها التحالف بـ"الانقلابية".

  وقال مراقبون ومحللون لوكالة الأنباء "ديبريفر" إنه مع مرور الوقت تتكشف الأطماع السعودية والإماراتية في اليمن، وسعيهما لتقاسم الكعكة في البلد الذي أكثر من ثلثي سكانه على حافة المجاعة نتيجة حرب طاحنة أكلت الأخضر واليابس.

  وأشاروا إلى أن تصرفات السعودية والإمارات تدعم وتعزز مواقف الحوثيين الذين يقولون دائماً، أن هاتين الدولتين تدخلتا في اليمن ليس من أجل "الشرعية" بل من أجل تحقيق أهداف خاصة بهما وتدمير البلاد والسيطرة عليها ولا يهمهما أمر اليمن وسكانها نهائياً.

 

المهريون يميلون لعُمان

  وظلت المهرة خارج دائرة الصراع والحرب الأهلية الدائرة حاليا في اليمن منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وتشهد المحافظة استقرارا جيداً في كافة مناحي الحياة وتنعم بوضع أمني جيد قياسا بما يجري في المحافظات الأخرى من البلاد من اضطرابات أمنية ومواجهات مسلحة.

   وتحظى سلطنة عمان بقبول وحضور سياسي واقتصادي وقبلي كبير في محافظة المهرة اليمنية، وتقدم عُمان لسكان المهرة خدمات وتسهيلات كبيرة لهم، ما جعلهم يميلون أكثر صوب السلطنة.

 

أهمية ميناء نشطون

 وتعد المهرة المطلة على بحر العرب والواقعة في أقصى شرق البلاد ثاني أكبر محافظة يمنية من حيث مساحتها بعد حضرموت حيث تبلغ 82 ألف و405 كيلو مترات مربع، وترتبط بحدود شاسعة مع سلطنة عمان من الجهة الشرقية وتحدها السعودية من الشمال ومحافظة حضرموت من الغرب، فيما يقطنها 122 ألف نسمة يغلب عليهم الطابع القبلي البدوي وأغلبهم مغتربون في عُمان والسعودية والإمارات.

جانب من ميناء نشطون

 

 وترتبط محافظة المهرة بسلطنة عُمان بمنفذين بريين، هما صرفيت وشحن، فيما يصل طول شريطها الساحلي إلى نحو 560 كم على بحر العرب، وفيها ميناء نشطون، الذي يعد من الموانئ القابلة للتطور وزيادة النشاط، سيما وأنه يقع على مقربة الخط البحري الملاحي الدولي في المحيط الهندي القريب من أحد أهم المراكز الصناعية والتجارية في شرق أسيا، وهو ما يقلق الأمارات العربية المتحدة الشريك الرئيسي في التحالف العربي الذي تقوده السعودية، كون تحرك النشاط التجاري في الشريط الساحلي للمهرة سيلحق ضررا كبيرا بميناء جبل علي في دبي، وبالتالي تسعى الإمارات عبر حليفتها الرئيسة السعودية للسيطرة عليه بهدف إبقاء الوضع التجاري فيه راكدا وتحويله إلى ثكنة عسكرية، على غرار ما تعمله في موانئ المخا وعدن والمكلا اليمنية، وموانئ شمال الصومال.


لمتابعة أخبارنا على تويتر
@DebrieferNet

لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام
https://telegram.me/DebrieferNet