اليمن.. حكومة الشرعية تحاول طمأنة البنوك اليمنية وسط تحذيرات من انهيار القطاع المصرفي

عدن (ديبريفر) تقرير اقتصادي
2019-05-16 | منذ 4 سنة

ارتفاع حدة صراع البنوك بين صنعاء وعدن

قالت اللجنة الاقتصادية العليا التابعة للحكومة اليمنية "الشرعية" المعترف بها دولياً، إن البنك المركزي في عدن ملتزم بالمهنية والحيادية في العمل المصرفي في اليمن، و يسعى للحفاظ على سلامته من أي استغلال، بعيدا عن أي صراع سياسي.

وأبدت اللجنة في بيان لها مساء الثلاثاء، تفهمهما للضغوط والمخاطر التي تتعرض لها البنوك اليمنية جراء الإجراءات التي وصفتها بـ"التعسفية" من جماعة الحوثيين (أنصار الله)، فضلاً عن الظروف الاستثنائية الصعبة، التي تعمل فيها البنوك في المناطق الخاضعة للحوثيين.

وأشار البيان إلى  تفهم اللجنة الاقتصادية  للضغوط و التدخلات التي كانت وراء توجيه جمعية البنوك اليمنية ومقرها الرئيس العاصمة صنعاء  خطاب مطول إلى مبعوث الأمم المتحدة الخاص في اليمن، مارتن غريفيث، وتقديمه بظاهر مهني ركيك، وباطن سياسي واضح، وفقاً للبيان.

وأكدت اللجنة الاقتصادية، أن المشاكل التي يتعرض لها القطاع المصرفي في اليمن، والتي من أهمها مشكلة السيولة، واستنزاف الاحتياطي، وتحويل الدورة النقدية إلى خارج القطاع المصرفي، ولصالح السوق السوداء، وتمكينها من إدارة السياسة النقدية للبلاد والتأثير فيها، جميعها مشاكل قد نتجت عن سياسات الحوثيين وظهرت قبل قرار نقل البنك المركزي إلى عدن.

واليمن منقسم بسبب الحرب الأهلية المستمرة للعام الخامس على التوالي، بين جماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران، وقوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عربي تقوده السعودية، لإعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى الحكم في العاصمة صنعاء التي لا يزال الحوثيون يسيطر عليها وأغلب المناطق شمالي البلاد ذات الكثافة السكانية العالية منذ أواخر عام 2014.

وبات الوضع المالي أكثر فوضوية منذ قررت حكومة هادي "الشرعية" في سبتمبر 2016  نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، فيما رفض الحوثيون هذه الخطوة ما أدى إلى وجود بنكين مركزيين متنافسين يعملان في البلاد.

وقبل صدور قرار نقل البنك المركزي إلى عدن، كانت المرتبات تصرف لجميع موظفي الجهاز الإداري للدولة في جميع المحافظات.

 

شكوى للأمم المتحدة

وكان خطاب جمعية البنوك اليمنية إلى المبعوث الأممي لليمن، مارتن غريفيث”، كشفت عن معلومات وحقائق كارثية تهدد القطاع البنكي والمصرفي في اليمن.

وأكدت الرسالة التي بعثتها الجمعية البنوك اليمنية في الـ 2 من مايو الجاري إلى المبعوث الأممي “مارتن غريفيث” تحت عنوان (الأوضاع الصعبة والمخاطر التي تعصف بالبنوك اليمنية)، أن عراقيل وصعوبات وتحديات جسيمة يتعرض لها القطاع المصرفي مما ينذر بالخطر من الانهيار الكامل وهو ما سينعكس أثره الكارثي على عمل الجهاز المصرفي في الداخل والخارج.

وقدمت جمعية البنوك اليمنية في رسالتها المطولة، شكوى إلى المبعوث الأممي بخصوص ما تتعرض له البنوك التجارية فيما يتعلق آلية تغطية الاعتمادات المستندية الخاصة باستيراد السلع الأساسية، التي أقرتها قيادة البنك المركزي في عدن.

كما حملت الجمعية في رسالتها إجراءات نقل البنك المركزي إلى عدن المسؤولية في بدء تعرض القطاع البنكي والمصرفي لسلسلة من المعاناة وما تبعه من تفاقم أزمة السيولة النقدية في البلاد الذي ساهم في ضعف قدرة البنوك على مواجهة تداعيات الحرب على القطاع المصرفي واستمرارها.

وطالبت الرسالة بـ"ضرورة اتخاذ المعالجات الجذرية لها لما من شأنه ضمان عدم انهيار هذا القطاع بشكل كامل، وهو إذا ما حدث فسيشكل كارثة اقتصادية سينعكس اثرها على حياة الملايين من اليمنيين".

وكان البنك المركزي في عدن قد اتخذ سلسلة من الإجراءات والقرارات القوية، الهادفة كما يقول، إلى استعادة سيطرته على مجريات السياسات النقدية، حيث أقر مجموعة من الشروط لاستيراد المشتقات النفطية، مبدياً استعداده لتغطية احتياجات المستوردين من العملة الصعبة وبسعر يقل عن سعر السوق بعشرة ريالات.

وأثارت التدابير الاقتصادية التي أقدمت عليها الحكومة اليمنية ممثلة في اللجنة الاقتصادية العليا والبنك المركزي اليمني في عدن، الغضب لدى جماعة الحوثيين بعد أن ضاق الخناق عليها خصوصاً مع اتهامات ضدها بتهريب النفط الإيراني والأموال عبر المصارف الخاضعة لها في صنعاء.

ودفع ذلك جماعة الحوثيين (أنصار الله) مؤخراً، إلى تكثيف ضغوطها على الأمم المتحدة لإجبارها على الضغط على حكومة "الشرعية" لوقف إجراءات البنك المركزي اليمني في عدن، بحسب ما يراه مراقبون ومحللون اقتصاديون.

كما هددت اللجنة الاقتصادية التابعة لسلطات الحوثيين، بخطوات تصعيدية وموجعة ضد إجراءات البنك المركزي في عدن.

وقال مصدر في اللجنة الاقتصادية للحوثيين، الاثنين الماضي، ان اللجنة استكملت دراسة خيارات الرد في المسارات الاقتصادية، وتم رفعها للقيادة السياسية في صنعاء، يوم الأحد، في انتظار التوجيهات لتنفيذ خيارات كبيرة ومزعجة في حال فشل محادثات الأردن الاقتصادية.

وفي 9 مايو الجاري، اتهمت اللجنة الاقتصادية العليا التابعة للحكومة الشرعية ، جماعة الحوثيين باستخدام العنف والترهيب لتوجيه القطاع الاقتصادي والتحكم به بما يخدم أهدافها في إطالة أمد الحرب.

ورفضت البنوك التجارية العاملة في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مؤخراً، ضمن التزامها بتعليمات الحوثيين، تنفيذ آلية الاعتمادات البنكية المدعومة من الوديعة السعودية، والتي تتيح استيراد المواد الغذائية بأسعار مخفضة، ما لم يقم التجار بدفع نصف قيمة الاعتمادات في صنعاء، وهو ما سينعكس سلباً على أسعار المواد الغذائية وحجم المخزون الغذائي.

 

إجبار البنوك

من جهتها اعتبرت اللجنة الاقتصادية التابعة للحكومة الشرعية في بيانها، أن "التعليمات التي تسببت في المزيد من الأعباء والعراقيل والتعقيدات إلى بيئة العمل المصرفي و التي أشارت إليها جمعية البنوك للمبعوث الأممي ،  لا بد وان تكون ناتجة عن التعليمات التي تجبر تلك البنوك على تنفيذها، وهي التعليمات الصادرة عن الميليشيا الحوثية، لأن تعليمات البنك المركزي في عدن لا زالت في إطار النقاش والمشاورات لتحديد الموقف الذي يجب أن يتخذ منها".

واتهمت اللجنة، جماعة الحوثيين بأنها "وفي إطار سعيها لاستغلال التدفق النقدي الناتج عن استخدامات الوديعة السعودية، قامت بإصدار تعاميم بمنع تنفيذ الاعتمادات والحوالات المصرفية والاستفادة من الخدمات التي يقدمها البنك المركزي اليمني من عدن من خلال الوديعة السعودية، وتجريم ذلك، وإرهاب البنوك وسجن موظفين ومدراء فيها، بحجة التعامل مع البنك المركزي في عدن، وتنفيذ اعتمادات وحوالات مالية دولية من خلالها لتجار من عملائها، وهو الأمر الذي يؤكده محضر اجتماع جمعية البنوك المرفق نسخة منه، وإعاقة حرية التجارة المختلفة، بمنعها لتداول و نقل البضائع و النقود بين المحافظات".

وزعمت اللجنة أن جماعة الحوثيين تقوم "بإجبار البنوك بدفع حصص مختلفة من العملة الصعبة لما يسمى بسلة عملات يتم تسليمها للصرافين ليتم بيعها للتجار التابعين لهم، ومن الصعب تتبع حركة تلك الأموال كونها خارج القطاع المصرفي، وبما يرفع من مستوى أزمة السيولة التي يتحدثون عنها".

ويستورد اليمن أكثر من 90 بالمائة من احتياجاته الغذائية بما في ذلك معظم احتياجاته من القمح وكل احتياجاته من الأرز .

ويتزامن تبادل الاتهامات بين طرفي الصراع بشأن تردي الأوضاع في القطاع المالي والمصرفي في اليمن، مع بدء اجتماعات ممثلي طرفي الصراع في اليمن، يوم الثلاثاء في العاصمة الأردنية عمّان تحت رعاية الأمم المتحدة ، لمناقشة تنفيذ البنود الاقتصادية لاتفاق الحديدة الذي أُبرم في السويد خلال ديسمبر 2018.

 

القطاع الخاص يحذر

وحذر القطاع الخاص في اليمن، من انهيار وشيك للأسواق في عموم محافظات البلاد ونفاد المخزون الغذائي في حال استمرار إقحام الملف الاقتصادي في الصراعات السياسية والعسكرية والحرب الدائرة المستمرة في اليمن للعام الخامس على التوالي.

وقال بيان مشترك صادر عن الاتحاد اليمني للغرف التجارية الصناعية وغرفة تجارة وصناعة العاصمة صنعاء مساء الاثنين الفائت: "ندق ناقوس الخطر ونؤكد أن إقحام الجانب الاقتصادي في الصراع الحاصل في البلد،  سيقضي على ما تبقى من القطاع الخاص وستنهار الأسواق وسيحدث نقص في المخزون الغذائي وسيدخل الوطن في أزمة اقتصادية خانقة، ويضيف ملايين من اليمنيين إلى حافة الجوع وسيفاقم حالة الاحتياج ويتحول اليمن إلى مشروع سلة غذائية".

واعتبر البيان أن "إيقاف فتح الاعتمادات المستندية من البنك المركزي اليمني في عدن بشروط توريد نقدي لــ50 في المئة من قيمة الاعتماد في عدن، أمر غير قابل للتطبيق على الواقع فالتوريد المنطقي والطبيعي للنقدية هو للبنوك التجارية حسب الاستهلاك ونشاط التجار في المحافظات اليمنية بشكل عام، كما أنه من أهم واجبات البنك المركزي دعم العملة المحلية واستقرار السوق وإعادة الدورة المصرفية الطبيعية والتعامل بالشيكات".

 

بداية الأزمة

وبدأت الأزمة الحقيقية بين المؤسسات المالية التابعة "للشرعية" في عدن والأخرى الخاضعة للحوثيين بصنعاء، بعد أن أعلنت الحكومة الشرعية عن استئناف تمويل واردات السلع الأساسية، في سبتمبر 2018، بالاستفادة من وديعة سعودية بملياري دولار، وربط عملية فتح الاعتمادات بالمصرف المركزي التابع للحكومة.

ويقوم البنك المركزي اليمني ومقره الرئيس بمدينة عدن جنوبي البلاد، منذ تسعة أشهر، بتوفير العملة الصعبة للاعتمادات بسعر مخفض عن السوق لتغطية واردات المواد الأساسية، وفتح البنك لموردي السلع الرئيسية (قمح، ذرة، أرز، الدقيق سكر، حليب أطفال، زيت الطبخ)، وذلك باعتمادات تصل إلى حوالي 200 ألف دولار، على أن يقوموا بتوريد قيمتها إلى مقر البنك في عدن بالعملة المحلية وبالتسعيرة الرسمية.

فيما تقوم البنوك التجارية، بدور الوسيط للشركات التجارية، حيث تتولى نقل قيمة الواردات بالعملة المحلية إلى البنك المركزي عدن الذي يتولى بدوره تغطية قيمتها من العملة الأميركية، لكن البنوك توقفت، منذ 10 مارس الماضي، عن قبول طلبات التجار وأوقفت الدخول في طلبات تغطية الاعتمادات المستندية التي يعلن عنها البنك المركزي اليمني في عدن لتغطية اعتمادات استيراد السلع.

وحدد البنك المركزي سعر المصارفة لاستيراد السلع بنفس السعر الرسمي المحدد منذ مطلع ديسمبر الماضي، بـ٤٤٠ ريالاً يمنياً للدولار الواحد، لكنه وصل في السوق الموازية إلى قرابة 530 ريالاً حالياً.

ويسيطر البنك المركزي في عدن التابع للحكومة المعترف بها دوليا على نحو 95 بالمائة من النشاط المصرفي، ويملك نظام "سويفت كود" للحوالات المالية وحق إدارة الاحتياطيات النقدية في الخارج، كما يسيطر على الاعتمادات المستندية بنسبة 100 بالمائة، لكن الحوثيين يريدون انتزاع 50 بالمائة من الاعتمادات، ما يهدد بتعطل واردات الوقود.

 

التجار والبنوك ضحايا صراع

إلى ذلك أكد المحلل الاقتصادي اليمني مصطفى نصر، أن القطاع المصرفي دخل في خضم الصراع بين الحكومة في عدن وسلطات الحوثي في صنعاء، الأمر الذي ينعكس سلباً على الحياة المعيشية للمواطنين في اليمن وفي بلد تقول الأمم المتحدة إنه يعيش "أسوأ كارثة إنسانية في العالم".

وقال نصر، وهو رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن، في تصريح خاص لوكالة "ديبريفر" للأنباء، أن حدة الشكاوى من قبل مستوردي المواد الغذائية الأساسية في اليمن تصاعدت مؤخراً، جراء استمرار سلطات جماعة الحوثيين بصنعاء منع البنوك المحلية الخاضعة لسيطرتها من فتح الاعتمادات المستندية ليتمكنوا من استيراد السلع.

وأشار إلى أن البنوك التجارية المحلية المتواجدة في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين بصنعاء والمستوردين للمواد الغذائية، باتوا ضحية تجاذبات وازدواجية القرارات للبنك المركزي في عدن المعين من الرئيس هادي والمعترف به دولياً، والبنك المركزي في صنعاء الواقع تحت سيطرة جماعة الحوثيين.


لمتابعة أخبارنا على تويتر
@DebrieferNet

لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام
https://telegram.me/DebrieferNet