صعد موظفو شركة النفط الحكومية عدن، من احتجاجاتهم بصورة يومية، وبدأوا عملية الإضراب الشامل، في خطوة قالوا أنها تهدف لحماية الشركة من التدمير والاحتكار وما يحدق بها من أخطار ووقف نشاطها، في وقت تشهد مدينة عدن أزمة خانقة ومتزايدة لليوم الثاني على التوالي، مع بدء الإضراب، ما تسبب في إغلاق كافة محطات الوقود.
وأكدت مصادر عمالية في شركة النفط بعدن في تصريح لوكالة " ديبريفر للأنباء الدولية " يوم الأربعاء، استمرار الإضراب الشامل في جميع منشآت ومرافق الشركة بعدن لليوم الثاني على التوالي، استجابة لدعوة مجلس تنسيق اللجان النقابية بشركة النفط، بعد تنفيذ العمال إضراباً جزئياً لمدة ساعتين، يومي الأحد والاثنين الماضيين.
وذكرت المصادر، بأن تصعيد عمال الشركة من احتجاجاتهم تنديداً بالقرارات التعسفية والمطالبة بإغلاق مصافي عدن ومساكب الوقود المستحدثة في شركة مصفاة عدن "والعودة للقوانين المنظمة لعمل الشركتين، النفط والمصافي، والتي تقضي بأن يكون عمل الشركتين تكاملياً، بحيث تتولى المصافي عملية تكرير الخام واستيراد المشتقات، فيما تقوم شركة النفط بتوزيع وتسويق المشتقات النفطية على السوق المحلية".
وجاء تصعيد موظفي النفط بعدن، بعدما أقدمت المصافي على فتح مساكب الوقود وبيع وتسويق المشتقات النفطية، الأمر الذي يعد مخالفاً للقانون للأنظمة، والذي تجاوزت به مصافي عدن القوانين وقرار رئيس الجمهورية الذي اتخذه مؤخراً بشأن منع مصافي عدن من أي تسويق للنفط خارج عن النطاق القانوني، وهو الحق القانوني والحصري لشركة النفط بعدن.
ويتهم موظفو شركة النفط عدن، مدير مكتب رئاسة الجمهورية عبدالله العليمي، بتمكين نائبه للشئون الاقتصادية رجل الأعمال النافذ أحمد العيسي، من الاستيلاء على مؤسسات الدولة وبمقدمتها شركة مصافي عدن.
وتسبب الإضراب بأزمة خانقة في المشتقات النفطية بعدن والمحافظات المجاورة، وسط انتشار للسوق السوداء التي تبيع المشتقات بأسعار مرتفعة.
وفي تضامن مع شركة النفط عدن، نفذت كافة فروع شركة النفط اليمنية بالمحافظات المحررة إضرابا شاملا عن العمل.
وكانت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، أقرت الأربعاء الماضي، حصر استيراد المشتقات النفطية في كافة المحافظات على شركة مصافي عدن جنوبي اليمن، وهو ما ترفضه شركة النفط وتعتبره مخالفة للقوانين المنظمة لعمل الشركتين.
وتؤكد شركة النفط أحقيتها، في تسويق النفط واقتصار المصافي على التكرير والاستيراد وفقاً للقوانين النافذة.
وألزمت الحكومة اليمنية "الشرعية" في اجتماعها حينها "جميع التجار بما فيهم شركة النفط اليمنية بالشراء من شركة مصافي عدن لجميع احتياجاتهم من المشتقات النفطية بالريال اليمني وليس بالعملة الأجنبية" وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" بنسختها في عدن والرياض والتابعة لتلك الحكومة.
وأكدت أن "القرار يهدف إلى الحفاظ على الاقتصاد الوطني واستقرار العملة الوطنية والحد من نشاط السوق السوداء وضمان عدم تكرار أزمات المشتقات النفطية في جميع المحافظات".
وأشارت حكومة "الشرعية" في اليمن، إلى أن القرار سيصبح سارياً من تاريخ صدوره، حيث سيسمح للتجار في كافة المحافظات استكمال إجراءات استيراد الناقلات التي تم شحنها قبل تاريخه.
وهدد رئيس المجلس التنسيقي للجان النقابية في شركة النفط عبدالله قائد مسعد، بالتصعيد وإيقاف حركة الموانئ والمطارات والحركة بشكل عام في حال لم يتم الرجوع للقانون والاستماع لمطالبهم المشروعة.
وأضاف رئيس النقابة في شركة النفط بعدن عبدالله قائد "سنواصل الاحتجاج رفضا لاحتكار المشتقات النفطية، والخروج عن عمل الشركتين، فكما هو معروف مهمة عمل شركة التوزيع، وشركة المصافي مختصة بالتكرير، وكلاهما منشئتان عريقتان وعملهما متكامل، ولكن للأسف عمل لوبي الفساد على فتح مساكب غير قانونية في مصافي عدن، ومن خلال تلك المساكب يتم تعبئة المحروقات وتوريدها إلى السوق السوداء، وهذا ما دفع بالعاملين في شركة النفط والنقابة للخروج للتعبير عن رفضهم لذلك، وفي حال لم يتم الاستجابة لمطالبنا فنحن على أتم الاستعداد للمضي نحو خطوات تصعيدية".
واتهم بيان لنقابة عمال شركة النفط عدن، الاثنين، قيادة شركة مصافي عدن، بأنها تسعى للخروج عن نطاق العمل المؤسسي الحكومي وتستثمر ذلك في الكسب الغير مشروع المخالف للقانون محملة الحكومة أعبائها من مستحقات الموظفين .. معتبرا أن المصافي بذلك تضر بالصالح العام وبمصالح شركة النفط اليمنية.
وقال البيان "انطلاقا من المسؤولية التي على عاتقنا واستشعارا بخطورة ما تقوم به شركة مصافي عدن، الوطنية بدلا من التركيز على استكمال إصلاح محطة الكهرباء فيها لاستعادة العمل في المصفاة وممارسة مهامها وفقا لقانون إنشائها، إلا إنها للأسف الشديد تقوم بصرف على تركيب مساكب مستحدثة من قبل أفراد يستخدمون المصفاة للسكب الخاص المخالف للقانون".
وطالب البيان رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، ورئيس الوزراء الدكتور معين عبد الملك، بالوقف الفوري لعمل المساكب وإزالتها من مصافي عدن تنفيذا للقانون والأنظمة، وكذا إلزام كل شركة النفط بمهام عملها وفقا للقانون، المصفاة للتكرير، والنفط للبيع والتسويق.
وأكدت النقابة أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام عبث قيادة مصافي عدن حيث نص البيان على منح الجهات المسؤولة أربعة أيام من تاريخ إصدار البيان لتنفيذ وإلزام مصافي عدن العمل بالقانون ووقف وإزالة تلك المساكب التي تضر ضررا بالغ الأهمية بالاقتصاد الوطني وفي العمل المؤسسي التكاملي بين الشركتين الوطنيتين.
وأشارت النقابة إلى أنها بصدد اتخاذ الخطوات والإجراءات الأكثر فعالية من أجل حماية قانون الشركتين من خلال وقف التموين بشكل عام.
وأبلغت النقابة في بيانها، مكاتب شركات الطيران المحلية والدولية خلال 72 ساعة من بدء الإضراب.
وخاطبت النقابة في بيانها التحالف العربي بالتعامل المباشر مع شركة النفط بعدن كما كان سابقا.
يذكر أن شركة مصافي عدن العملاقة، معطلة بسبب قرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، مطلع مارس الماضي، والقاضي بتحرير سوق المشتقات النفطية، وفتح مجال الاستيراد أمام شركات القطاع الخاص، وإخضاع عملية بيع وتوزيع المشتقات للمنافسة بين الشركات.
كما ساهم القرار أيضا في شل نشاط شركة النفط بعدن، التي أصبحت تشتري الوقود من شركة العيسي.
وقود الكهرباء للنفاذ
في ذات السياق، حذر مسئولون في مؤسسة الكهرباء في عدن، من أن الوقود الخاص بمحطات توليد الكهرباء قد أوشك على النفاذ.
وقال المسؤولون لوكالة " ديبريفر " أن ” الوقود المخزون للمحطات التوليدية قد أوشك على النفاذ، وذلك لعدم استجابة شركة النفط من مؤسسة الكهرباء بتزويد المحطات بالوقود ، وذلك بسبب بدء الإضراب الشامل لموظفي وعمال شركة النفط”.
وأشار هؤلاء إلى أن مؤسسة الكهرباء ستقوم مضطرة، بدءا من يوم الأربعاء، برفع ساعات الانقطاع خلال الساعات القادمة من ساعتين إلى 3 ساعات، للتقشف في المخزون المتبقي من الوقود، إذا لم يتم تزويد محطات التوليد بالكمية الكافية”.
وناشدت مؤسسة كهرباء عدن، الرئيس عبد ربه منصور هادي، ورئيس الحكومة معين عبد الملك، بالتدخل العاجل وتزويد مؤسسة كهرباء عدن بمادة الديزل قبل نفاذ المخزون، والذي سيتسبب بتوقف كامل للمنظومة الكهربائية بعدن.
خصخصة مصافي عدن
تأتي التطورات المتسارعة في المشهد الاقتصادي في مدينة عدن جنوبي اليمن والتي تتخذها الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دوليا عاصمة مؤقتة للبلاد، في وقت كشفت مصادر عمالية في شركة مصافي عدن عن تحركات وإجراءات تمارسها جهات نافذة في الحكومة وإدارة الشركة، هدفها الوصول بالأوضاع في المصفاة إلى حالة من التردي والعجز وإثبات فشلها في أداء المهام والأعمال المناطة بها، ليتم في ضوء ذلك خصخصتها وبيعها.
وأكدت اللجنة العمالية لعمال وموظفي شركة مصافي عدن، في بيان صحافي مساء أمس الثلاثاء، أن الخطوات الأولية نحو خصخصة المصفاة قد تم البدء بها من قبل منظومة الفساد في الحكومة الشرعية وإدارة الشركة، وذلك من خلال الإقدام على التوقيف التعسفي للعمال المطالبين بتشغيل المصفاة، وكذا القيام بتسريح البعض منهم.
وقالت اللجنة العمالية: "إننا نحذر جميع الأطراف في الحكومة والإدارة الفاسدة في المصفاة والمستثمرين والشركات، سواءً كانت كُبرى أم صغرى، وكل من تسول له نفسه محاولة التفكير في خصخصة المصفاة".
وأضافت: "نقولها وليسمع كل من به صمم، إن شركة مصافي عدن ليست للبيع ومنشآتنا الجنوبية خط أحمر لا يمكن تجاوزه، كما أننا لا نريد أن تكون شركة مصافي عدن سبباً في تدمير وخراب شقيقتها شركة النفط عبر البيع المباشر من داخل المصفاة والمساكب، التي لا ناقة للمصفاة وعمالها فيها ولا جمل".
واختتمت اللجنة العمالية لعمال شركة مصافي عدن بيانها، بتوجيه الدعوة لجميع العمال ومنظمات المجتمع المدني والنقابات العامة في المحافظات الجنوبية وأبناء شعب الجنوب كافة، بأن: "يقفوا يداً واحدة للحفاظ على هذا الصرح العملاق وأن لا يتركوه لحيتان الفساد".
وتعد مصفاة عدن أقدم مصفاة في الوطن العربي والخليج، وأنشأتها في عهد الاحتلال البريطاني شركة الزيت البريطانية المحدودة (بي.بي) عام 1952، وبدأ تشغيلها في يوليو 1954، وآلت ملكية المصفاة بجميع منافعها وملحقاتها إلى الدولة اليمنية في الجنوب في مايو 1977.
تحذير للشرعية
وحمل مراقبون وخبراء اقتصاد يمنيون، الرئيس هادي وحكومته مسئولية تردي الأوضاع الخدمية في عدن وتعطل الحركة في عدن، بسبب، إضراب عمال شركة النفط وما يخطط لتدمير مصفاة عدن ما يزيد من تفاقم الأوضاع الإنساني والمعيشية.
وحذر هؤلاء من خطورة قرار الحكومة الأخير بحصر استيراد الوقود عبر شركة المصافي، على الأمن القومي، وقيمة العملة الوطنية، والأوضاع المعيشية للمواطنين، في ظل غياب دور الدولة وأجهزتها الرقابية الحكومية الفاعلة.
وأشاروا إلى أن، الحكومة الشرعية أمام مهمة صعبة لتنفيذ قرار بحصر الاستيراد لشركة المصافي، خاصة وان عملية الاستيراد لعدن أصبحت مستحيلة إلا لمن معه خزانات للمشتقات التي يستوردها.
وأكدوا أن شركة مصافي عدن أجرت خزانات المصافي لشركة "عرب جلف"، شركة تجارية استثمارية خاصة مملوكة لرجل الأعمال اليمني أحمد العيسي، الذي صدر مؤخراً قراراً بتعيينه نائبا لمدير مكتب رئاسة الجمهورية للشئون الاقتصادية، بعقد حصري لسنوات، ولن تستطيع المصافي استخدامها، والخزانات أصبحت خارج سيطرة الحكومة وشركة مصافي عدن، ولا يتاح لأحد التخزين فيها إلا للمستأجر لتلك الخزانات.
وتبلغ القدرة الاستيعابية لخزانات شركة مصافي عدن، نحو 150 مليون لتر، فيما أعطُبت عدد منها، وتعرضت أخرى للحريق، وبحسب مصدر في مصافي عدن، قدرت خسائر الحكومة جراء تأجير خزنات مصافي عدن 18 مليار ريال خلال الفترة الماضية.
احتكار العيسي
وتقول مصادر وموظفين في شركة النفط عدن لوكالة ديبريفر للأنباء الدولية ، : “تم احتكار المادة الخام من البترول من قِبل التاجر أحمد العيسي، والذي كان يعمل على تهريب مادة الديزل إلى مراكز النفوذ في الدولة أيام نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح عبر سقطرى، وها هو اليوم يحتكر المصافي ويجعل منها مخازن، كما عمل على إيقاف آلات التكرير ونشاطه والتي كانت من مهام المصافي، وجعل مهمتها تقتصر على التخزين فقط، فضلاً عن عمله على المجيء بالمادة البترولية مكررة من الخارج”، مضيفا “وبعد سيطرته على المصافي عمل مساكب فيها ..
واعتبر هؤلاء أن ممارسة ذلك تهدف إلى إنهاء دور شركة النفط المتمثل في توزيع المشتقات النفطية إلى السوق المحلية، وبهذا يعمل بالضرب بين المؤسستين والعاملين فيها، عبر لوبي الفساد الذي يسيطر عليه بشركة المصافي، أي أنه عمل على تجميد مؤسسة حكومية لمصلحته الخاصة”.
وأكدت المصادر أن العيسي فشل في مناقصة شركة النفط لاستيراد المادة النفطية، ولكن وجود لوبي في الرئاسة هو من دعمه ومكّنه من العودة مجدداً للاستيراد، مطالبين بضرورة إعادة دور الشركة في توزيع المشتقات النفطية وعدم التدخل في صلاحياتها وعملها.
مصدر آخر في الشركة كشف في حديث خاص سابق لـ"ديبريفر" أساليب الابتزاز التي تقوم بها شركة التاجر العيسي المحتكرة لاستيراد النفط، ومنها قيام شركته بضخ كميات كبيرة من الوقود إلى شركة النفط عدن المختصة بتوزيع الوقود محلياً في المحافظات المذكورة، دون تحديد قيمة مالية، وتترك الشركة تحت الأمر الواقع ما يسبب خسائر كبيرة للدولة، وهو ما لا تعترض عليه شركة النفط حيث تطالب التاجر بتحديد سعر البيع أولاً، ووضع حد للبيع المجهول من قبل الشركة المتنفذة.
العيسي ومصافي عدن والفساد
كانت مصادر حكومية وعمالية في شركة مصافي عدن كشفت في وقت سابق لـ"ديبريفر" عن أحد أساليب سيطرة العيسي على المصافي، وأكدوا أن غالبية قيادات "مصافي عدن" مقربين من العيسي، ويدينون بالولاء له، ومن خلال ذلك تمكن من توقيع عقد استئجار طويل الأمد لخزانات المصافي دون علم الحكومة وشركة النفط التي يرتبط عملها بالمصافي، الأمر الذي جعل من قرار تحرير سوق استيراد المشتقات النفطية الذي أعلنه الرئيس هادي في مارس الماضي قراراً مفرغاً من مضمونه، لأن أي شركات أو تجار عاديين لا يستطيعون استيراد أي كمية من المشتقات إلى عدن بسبب عدم وجود خزانات تحفظ لهم كميات الوقود المستوردة، فالخزانات استأجرها العيسي لفترة طويلة جداً، وبات وحده من يملك صلاحية تخزين أي مشتقات فيها.
وأشار عدد من عمال وموظفي مصافي عدن –طلبوا عدم ذكر أسمائهم خشية تعرضهم لإجراءات عقابية من قيادة الشركة- في حديثهم لـ"ديبريفر" إلى أن الأوضاع في المصافي لا تسير بالشكل المطلوب، نظرا لتفشي الفساد على نطاق واسع، إضافة إلى أن العيسي قام بشراء قيادة نقابة عمال المصافي التي أصبحت تحت سلطته، بعد أن كانت تدافع عن حقوق العمال، ومكتسباتهم سابقا، لتصبح المصفاة كملكية خاصة للعيسي منذ تحرير عدن أواخر يوليو 2015، وفق تعبيرهم.
وفي منتصف ديسمبر الفائت، سلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية الضوء على دور رجل الأعمال اليمني أحمد صالح العيسي (51 عاماً) في الحياة السياسية والاقتصادية في اليمن هذا البلد الفقير الذي يشهد صراعاً دموياً على السلطة منذ قرابة أربع سنوات بين الحكومة المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عسكري تقوده السعودية، وقوات جماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران، ما أدى إلى "أسوأ أزمة إنسانية في العالم" وفق تأكيدات الأمم المتحدة.
وذكرت الصحيفة الفرنسية بأن هذا الوضع، يثير ردوداً غاضبة في عدن، فرجل الأعمال متهم بإبقاء المصفاة السوفيتية القديمة في المدينة التي يسيطر عليها معطلة، من أجل مواصلة بيع الوقود للمولدات الخاصة في عدن، ما أدى إلى نقص كبير.
وأشارت الصحيفة بذلك إلى سيطرة العيسي على شركة مصافي عدن الحكومية، وأصبح اليد الطولى في إصدار القرارات الجمهورية المتعلقة بمسئولي هذه الشركة العملاقة التي تأسست مطلع خمسينيات القرن الماضي، كأول شركة لتكرير النفط الخام في منطقة الجزيرة العربية والخليج.
فساد العيسي والشرعية في تقرير الخبراء
وفي يناير الفائت أوصى تقرير خبراء من الأمم المتحدة يراقبون العقوبات ضد اليمن، بأن يذكّر مجلس الأمن الدولي الحكومة الشرعية اليمنية المعترف بها دولياً بأنّ الفساد يهدد السلام وأن يذكّرها أيضاً، بالتزاماتها بموجب القانون الدولي لتوفير مستويات معيشة مناسبة لمواطنيها، بما في ذلك ضمان دخول البضائع إلى البلاد، كما حث التقرير مجلس الأمن الدولي، جماعة الحوثيين (أنصار الله) على احترام حياد واستقلال العاملين في المجال الإنساني.
واقترح تقرير الخبراء على أمين عام الأمم المتحدة تنظيم مؤتمراً مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالإضافة إلى جهات فاعلة رئيسية أخرى، لإدارة التدفقات النقدية والواردات من السلع على أفضل وجه، وذلك باستخدام مبادئ الاتفاق العالمي للأمم المتحدة بشأن كيفية قيام الشركات بإدارة أعمالها.
وتطرق تقرير الخبراء الدوليين، إلى بعض جوانب الفساد في حكومة هادي ومنها القيام بسرقات ضخمة وتهريب النفط الخام في محافظة مأرب الغنية بالنفط في شمال شرق البلاد، وتحويل الأموال العامة إلى مجموعة العيسي، وهي شركة نقل للوقود، ومالكها أحمد العيسي، مستشار الرئيس هادي، إضافة إلى استحداث آلية استيراد أعطت الأفضلية "لدائرة أعمال صغيرة قريبة من كبار المسؤولين الحكوميين" تسهم في حدوث انتهاكات للقانون الإنساني.
كما أشار التقرير الخاص بلجنة الخبراء، إلى الفساد المحتمل في القوات المسلحة اليمنية بما يتعلق بالإمدادات الغذائية. وأن الحرب في اليمن أوجدت تجار حروب جدد لا يريدون لهذه الحرب أن تتوقف، في إشارة واضحة إلى مراكز النفوذ والمصالح التجارية، والاستثمارية، التي تكونت في رأس سلطتي الشرعية في الجنوب، وجماعة الحوثي في الشمال، وذلك حتى لا يفقدون مكاسبهم ومصالحهم.
هادي وشبكة المصالح في تحقيق "ديبريفر"
وكانت وكالة "ديبريفر" الدولية للأنباء، نشرت في 13 أغسطس الماضي، تحقيقاً خاصاً مطولاً، بعنوان: "العيسي تاجر أكبر من الدولة بتواطؤ رئاسي ولوبي فساد يزداد فتكاً"، تناولت فيه دور رجل الأعمال أحمد صالح العيسي كمحتكر لاستيراد الوقود بكافة أنواعه إلى عدن، والمحافظات المجاورة، في خلق الأزمات المتكررة لانعدام الوقود في تلك المحافظات.
ودفعت الممارسات الابتزازية التي تمارسها شركة "عرب جلف"، وهي شركة تجارية استثمارية مملوكة لرجل الأعمال اليمني أحمد العيسي، على شركة النفط الحكومية، ناشطين وشباب من أبناء عدن وجنوب اليمن إلى شن حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي نددوا فيها باستمرار قيام العيسي بدور الدولة وتحكمه في أهم سلعة يحتاجها الناس، بما يشير إلى سيطرة مراكز وقوى نفوذ كبيرة على قرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أمام ما يفعله لوبي الفساد الذي يتزعمه نجله "جلال هادي" المرتبط بشراكات تجارية مع رجل الأعمال العيسي، وفقاً لتأكيدات مراقبين ووقائع عديدة.
مسئولون يشغلون مواقع متعددة في شركة النفط اليمنية الحكومية بعدن قالوا لوكالة الأنباء "ديبريفر" آنذاك، إن شركة العيسى تمارس الابتزاز على شركة النفط الحكومية المختصة بتوزيع الوقود محلياً في المحافظات الجنوبية، كون الشركة تشتري من العيسي المشتقات بالسعر الذي يحدده هو، وبالعملة الصعبة وبزيادة عن الأسعار العالمية، ما يترتب عن ذلك خسائر فادحة على الشركة الحكومية.
احتكار شركة العيسي عملية استيراد الوقود في عدن، وبقية المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية "الشرعية"، تُعد سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى العالم، إذ سلمت الحكومة أهم مورد اقتصادي ومالي للبلد إلى القطاع الخاص، بموجب قرار تحرير سوق المشتقات النفطية، الذي أصدره الرئيس هادي مطلع مارس الماضي، والقاضي بتحرير سوق المشتقات النفطية، وفتح مجال الاستيراد أمام شركات القطاع الخاص، وإخضاع عملية بيع وتوزيع المشتقات للمنافسة بين الشركات.
جاء قرار تحرير سوق المشتقات النفطية، بعد إحجام حكومة هادي على تغطية فاتورة واردات الوقود بالعملة الصعبة، وتوقف شركتي النفط الحكومية ومصافي عدن، عن استيراد الوقود وتحولتا إلى مجرد خزانات خاصة بتجار.
اقتصاديون أكدوا لـ"ديبريفر" في ذات التحقيق، أن استمرار الحرب في اليمن للعام الخامس على التوالي، وضعف شخصية الرئيس هادي، وعجزه عن عمل شيء يخلد في تاريخه، تسبب في تكوين شبكة مصالح استثمارية وتجارية واسعة بدءاً من رأس هرم سلطة هادي وبعض القوى سواءً السياسية أو المذهبية والعشائرية والجهوية، عطفاً على التدخلات الخارجية، كما نشأ نوع جديد من التحالفات بين السلطة والثروة، أبطاله رجال مال وأعمال، وحتى أسماء تجارية وهمية كواجهات مالية.
وباتت تلك المكونات وشبكة المصالح تتحكم بسوق المشتقات النفطية، وهو ما ينعكس على أسعار السلع والخدمات الضرورية، والمتطلّبات المعيشية للمواطنين، وافتعال الأزمات وخنق حركة الدولة والنقل والتشغيل.
وفي المناطق الشمالية "المحررة من سلطة الحوثيين" يسيطر على تجارة الوقود في مأرب السلطة الحاكمة الموالية لحزب الإصلاح اليمني ذراع الاخوان المسلمين في اليمن، الطرف الأقوى في "الشرعية" المهترئة، ممثلاً بمحافظ مأرب سلطان العرادة، حيث تم تخصيص إنتاج مصافي مأرب لتغطية احتياجات مأرب وشبوة وسيئون (حضرموت الوادي)، فيما حررت السلطة المحلية في حضرموت الساحل أسعار المشتقات النفطية وتقوم بالاستيراد والتوزيع.
وتُعد محافظتي مأرب وحضرموت مصدراً هاماً لإمداد المشتقات النفطية عبر شبكة مهربين وتجار إلى المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث تكونت هناك مراكز قوى جديدة أيضاً، سيتم الكشف عنها في تقارير قادمة لـ"ديبريفر".
جنوباً يسيطر التاجر العيسي على سوق الوقود في عدن، ومحافظات أبين ولحج والضالع، وهو الرجل الذي يعده كثيرون الواجهة الأساسية للوبي الفساد المتحكم في رأس السلطة ممثلة بـ"جلال" نجل الرئيس هادي، ونائب الرئيس علي محسن الأحمر، وتشكل هذه الحالة خير مثال لزواج السلطة الفاسدة، برأس المال المدنس.