اتهمت اللجنة الاقتصادية العليا التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، جماعة الحوثيين (أنصار الله) بالإصرار على تعميق الأزمة الإنسانية في اليمن الذي يشهد حربا دامية للعام الخامس على التوالي ، والمتاجرة بها في أروقة الأمم المتحدة.
وقالت اللجنة في بيان مساء السبت، إن الأزمة الإنسانية تزداد قتامة في مناطق سيطرة الحوثيين شمالي البلاد بسبب الحصار والمنع والجمارك والضرائب الكبيرة وغير الشرعية التي فرضتها الجماعة على الشركات ومستوردي الغذاء والدواء.
وأكد البيان أن مستوردي الغذاء لم يعودوا قادرين على إيصال بضائعهم لمناطق سيطرة الحوثيين ولفترة تجاوزت الأشهر.
واليمن منقسم بسبب الحرب الأهلية المستمرة للعام الخامس على التوالي، بين جماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران، وقوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عربي تقوده السعودية، لإعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى الحكم في العاصمة صنعاء التي لا يزال الحوثيون يسيطرون عليها وأغلب المناطق شمالي البلاد ذات الكثافة السكانية العالية منذ أواخر العام 2014.
وبات الوضع المالي أكثر فوضوية منذ قررت حكومة الرئيس هادي "الشرعية" في سبتمبر 2016 نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، فيما رفض الحوثيون هذه الخطوة ما أدى إلى وجود بنكين مركزيين متنافسين يعملان في البلاد.
وحذرت اللجنة الاقتصادية التابعة للحكومة الشرعية في بيانها، من أن الإجراءات الحوثية تسببت في انخفاض منسوب مخزون الغذاء الآمن إلى مستويات خطيرة وأدى لتدهور الأوضاع الإنسانية.
وأشارت إلى أن جماعة الحوثيين تروج كذباً أن الحصار على اليمنيين هو حصار تسببت به الشرعية بينما الحصار الوحيد الموجود هو حصار الجماعة.
وأضاف البيان "بينما تتدفق المساعدات الإنسانية واستمرار جسر الإغاثة والدعم الاقتصادي من المملكة العربية السعودية تقف نقاط الحوثيين سداً أمام تدفق تلك البضائع".
ودعت اللجنة الاقتصادية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، للقيام بواجبهم وإلزام الحوثيين بفك الحصار والسماح بمرور الغذاء والدواء بلا قيود وإلغاء جميع الاستحداثات الضريبية والجمركية غير الشرعية وغير القانونية.
وأمس السبت أعلنت جمعيتا البنوك و الصرافين في اليمن (كيانان مدنيان يضمان البنوك التجارية و منشأت وشركات الصرافة) البدء برفع الشارات الحمراء احتجاجا على الممارسات المجحفة بحق البنوك وشركات الصرافة من قبل البنك المركزي اليمني بفرعيه الرئيس في مدينة عدن جنوبي البلاد والتابع للحكومة الشرعية المعترف بها دوليا وفي صنعاء الواقع تحت سيطرة جماعة الحوثيين.
وكان البنك المركزي في عدن قد اتخذ سلسلة من الإجراءات والقرارات القوية، الهادفة كما يقول، إلى استعادة سيطرته على مجريات السياسات النقدية حيث أقر مجموعة من الشروط لاستيراد المواد والسلع الغذائية الأساسية والمشتقات النفطية، مبدياً استعداده لتغطية احتياجات المستوردين من العملة الصعبة وبسعر يقل عن سعر السوق بعشرة ريالات.
وأثارت التدابير الاقتصادية التي أقدمت عليها الحكومة اليمنية "الشرعية" ممثلة في اللجنة الاقتصادية العليا والبنك المركزي في عدن، غضب جماعة الحوثيين (أنصار الله) التي شعرت بأن الخناق ضاق عليها خصوصاً مع اتهامات ضدها بتهريب النفط الإيراني والأموال عبر المصارف الخاضعة لها في صنعاء.
وتتهم جماعة الحوثيين، الحكومة اليمنية "الشرعية" بالقيام بممارسات تضر الاقتصاد الوطني ولا تخدمه، ما دفعها مؤخراً إلى تكثيف ضغوطها على الأمم المتحدة لإجبارها على الضغط على حكومة "الشرعية" لوقف إجراءات البنك المركزي اليمني في عدن، بحسب ما يراه مراقبون ومحللون اقتصاديون.
وهددت اللجنة الاقتصادية التابعة للحوثيين، بخطوات تصعيدية وموجعة ضد إجراءات البنك المركزي في عدن.
التجار والقطاع الخاص ضحايا الصراع.
ويرى خبراء اقتصاد ومحللون أن القطاعات التجارية والمصرفية والصناعية والقطاع الخاص وكبار التجار والمستوردين في اليمن، باتوا في مأزق كبير إذ وقعوا حالياً بين سندان الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً ومطرقة حكومة جماعة الحوثيين (أنصار الله) وكلا الطرفين يفرض عليه إجراءات قاسية و رسوما باهظة أثقلت كاهله وكبدته خسائر فادحة، مع استمرار إقحام الملف الاقتصادي في الصراعات السياسية والعسكرية من كلا الطرفين، ما ينذر بانعكاسات خطيرة على المخزون الغذائي في الأسواق في عموم محافظات البلاد.
وقال المحلل والخبير الإقتصادي اليمني مصطفى نصر، في تصريح خاص لوكالة "ديبريفر" للأنباء الشهر الماضي إن القطاع المصرفي دخل في خضم الصراع بين الحكومة في عدن وسلطات الحوثيين في صنعاء، الأمر الذي ينعكس سلباً على الحياة المعيشية للمواطنين في بلد يوصف بأنه يعيش أسوأ كارثة إنسانية في العالم ..
وذكر نصر، وهو رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن ، أن حدة الشكاوى من قبل مستوردي المواد الغذائية الأساسية في اليمن تصاعدت مؤخرا، جراء استمرار سلطات جماعة الحوثيين بصنعاء منع البنوك المحلية الخاضعة لسيطرتها من فتح الاعتمادات المستندية ليتمكنوا من استيراد السلع.. موضحا أن البنوك التجارية المحلية المتواجدة تحت سيطرة الجماعة والمستوردين للمواد الغذائية باتوا ضحية تجاذبات وازدواجية القرارات للبنك المركزي في عدن وفي صنعاء .
بداية الأزمة
وبدأت الأزمة الحقيقية بين المؤسسات المالية التابعة "للشرعية" في عدن والأخرى الخاضعة للحوثيين بصنعاء، بعد أن أعلنت الحكومة "الشرعية" عن استئناف تمويل واردات السلع الأساسية، في سبتمبر 2018، بالاستفادة من وديعة سعودية بملياري دولار، وربط عملية فتح الاعتمادات بالمصرف المركزي التابع للحكومة.
ويقوم البنك المركزي اليمني بمدينة عدن، منذ عشرة أشهر، بتوفير العملة الصعبة للاعتمادات بسعر مخفض عن السوق لتغطية واردات المواد الأساسية، وفتح البنك لموردي السلع الرئيسية (قمح، ذرة، أرز، دقيق، سكر، حليب أطفال، زيت الطبخ)، وذلك باعتمادات تصل إلى حوالي 200 ألف دولار، على أن يقوموا بتوريد قيمتها إلى مقر البنك بالعملة المحلية وبالتسعيرة الرسمية.
فيما تقوم البنوك التجارية، بدور الوسيط للشركات التجارية، حيث تتولى نقل قيمة الواردات بالعملة المحلية إلى البنك المركزي عدن الذي يتولى بدوره تغطية قيمتها من العملة الأمريكية، لكن البنوك توقفت، منذ 10 مارس الماضي، عن قبول طلبات التجار وأوقفت الدخول في طلبات تغطية الاعتمادات المستندية التي يعلن عنها البنك المركزي اليمني في عدن لتغطية اعتمادات استيراد السلع.
وحدد البنك المركزي سعر المصارفة لاستيراد السلع بنفس السعر الرسمي المحدد منذ مطلع ديسمبر الماضي، بـ٤٤٠ ريالاً يمنياً للدولار الواحد، لكنه وصل في السوق الموازية إلى قرابة 530 ريالاً حالياً.
ويسيطر البنك المركزي في عدن على نحو 95 بالمائة من النشاط المصرفي، ويملك نظام "سويفت كود" للحوالات المالية وحق إدارة الاحتياطيات النقدية في الخارج، كما يسيطر على الاعتمادات المستندية بنسبة 100 بالمائة، لكن الحوثيون يريدون انتزاع 50 بالمائة من الاعتمادات، ما يهدد بتعطل واردات الوقود.
وتؤكد الأمم المتحدة أن الوضع الإنساني في اليمن هو "الأسوأ في العالم"، وأن البلاد أصبحت على شفا المجاعة مع ارتفاع عدد المحتاجين لمساعدات إنسانية وحماية عاجلة إلى أكثر من 24 مليون يمني، أي ما يزيد عن 80 بالمائة من السكان، ب ، بمن فيهم 8.4 مليون شخص لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم المقبلة، ويعاني نحو مليوني طفل من النقص الحاد في التغذية.
وتسبب الصراع في مقتل نحو 11 ألف مدني يمني، وجرح مئات الآلاف، وتشريد ثلاثة ملايين داخل اليمن وفرار الآلاف خارج البلاد.