أعلنت جمعيتا البنوك والصرافين في اليمن (كيانان مدنيان يضمان البنوك التجارية ومنشآت وشركات الصرافة)، اليوم الثلاثاء، استعدادهما إطلاق مبادرة لتحييد المؤسسات المالية والمصرفية، في ضوء استمرار إقحام الملف الاقتصادي في الصراعات السياسية والعسكرية من قبل أطراف الصراع في الحرب الدامية المستمرة للعام الخامس على التوالي، ما ينذر بانعكاسات خطيرة على القطاع المصرفي في البلاد.
تتضمن المبادرة التي أعلنها المدير التنفيذي لجمعية الصرافين اليمنيين أحمد العودي، تبني عقد مشاورات يمنية بامتياز للبنك المركزي اليمني بمركزيه في عدن التابع للحكومة "الشرعية" المعترف بها دولياً، وفي صنعاء الخاضع لسيطرة جماعة الحوثيين (أنصار الله) وجمعيتي البنوك والصرافين - دون أي طرف خارجي ـ على أن تعقد في إحدى عواصم الدول المحايدة.
وقال العودي في بيان صحفي، إن هذه المبادرة تهدف لبحث كيفية وآلية توحيد إدارة قطاع الرقابة على البنوك ضمن سياسة وإجراءات موحدة تضمن استمرار أداء المؤسسات المصرفية التي دخلت مرحلة رفع الشارات الحمراء كاحتجاج مشروع بعد تجاهل المطالب الحقة والمهنية بتحييد الاقتصاد وتوحيد إدارة القطاع المصرفي في البلاد حيث نتج عن ذلك التجاهل آثار سلبية على العمل المصرفي، وآن لهكذا مبادرات ومشاورات معالجتها ليتسنى استمرار العمل في هذا القطاع بشكله الاعتيادي.
وأضاف: "هذه المبادرة تأتي في ظرف حساس يمر به العمل المصرفي في اليمن وبات على المحك مع عدم ردم التوظيفات المتباينة للعمل المصرفي من طرفي البنكين المركزيين في صنعاء وعدن".
وأشار إلى المساعي لإيجاد حلول يمنية يمنية للحفاظ على وحدة وتماسك القطاع المصرفي اليمني دون تدخل خارجي في ظل محدودية التدخلات الأممية لإيجاد الحلول في الأزمة اليمنية، معتبراً أن "تلك التحركات تفتقد إلى الهمة والقوة التي تحفز الطرفين على الإقدام الجريء نحو السلام المشرف أو تسوية الملف الاقتصادي" حد قوله
وجدد المدير التنفيذي لجمعية الصرافين اليمنيين، دعوته لإدارتي البنك المركزي في صنعاء وعدن إلى التعاطي من منطلق وطني وإنساني مع مطالب جمعية الصرافين وجمعية البنوك والاتجاه نحو التشاور الجاد والمسؤول للتوصل لتسوية اقتصادية ومصرفية تضمن توحيد سلطة البنك المركزي اليمني في إطار تشاركي وجماعي وضمان استقلاليته وحياديته وتمكينه من ممارسة وظائفه الأساسية من منطلق وطني وأخلاقي تجاه الشعب اليمني .
وأكد أن تحييد البنك المركزي سيساهم في الحد من تدهور العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية والذي سيحد من تصاعد معدلات التضخم وارتفاع أسعار المواد الأساسية في السوق المحلية بما ينعكس إيجاباً على حياة الشعب اليمني وعلى القوة الشرائية للريال اليمني، خصوصاً وأن معظم البضائع والمنتجات في السوق اليمنية مستوردة بالعملة الصعبة.
وفي مطلع الشهر الجاري، أعلنت جمعيتا البنوك والصرافين البدء برفع الشارات الحمراء احتجاجا على ما أسمته "الممارسات المجحفة بحق البنوك وشركات الصرافة" من قبل البنك المركزي اليمني بفرعيه في عدن وصنعاء.
ودعت الجمعيتان في بيان مشترك جميع مكونات العمل المصرفي اليمني للبدء في إجراء التصعيد الجزئي بتعليق الشارات الحمراء ابتداءً من يوم السبت 6 يوليو 2019 م وصولاً للإضراب الشامل لحين الاستجابة لمطالبهما.
وسبق أن هددت جمعيتا البنوك والصرافين اليمنيين، مطلع يوليو الحالي ، باستئناف الإضراب عن العمل في كافة محافظات الجمهورية في حال لم يتم تحييد القطاع المصرفي عن الصراع.
واليمن منقسم بسبب الحرب الأهلية المستمرة للعام الخامس على التوالي بين جماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران، وقوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عربي تقوده السعودية، لإعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى الحكم في العاصمة صنعاء التي لا يزال الحوثيون يسيطرون عليها وأغلب المناطق شمالي البلاد ذات الكثافة السكانية العالية منذ أواخر العام 2014.
وبات الوضع المالي أكثر فوضوية منذ قررت حكومة الرئيس هادي "الشرعية" في سبتمبر 2016 نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، فيما رفض الحوثيون هذه الخطوة ما أدى إلى وجود بنكين مركزيين متنافسين يعملان في البلاد.
وزجت حالة الارتباك بالكثير من اليمنيين في براثن العوز بعد قرابة ثلاث سنوات شهدت عدم صرف الرواتب لأكثر من مليون موظف غالبيتهم يعيش في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بما فيها العاصمة صنعاء.
تدخلات أممية أشبه بالسلحفاة
المدير التنفيذي لجمعية الصرافين اليمنيين أحمد العودي وصف في بيانه ، التدخلات الأممية بأنها أشبه بـ "السلحفاة "، وإهدار الوقت، في حين تتفاقم الأوضاع الإنسانية وتزداد سوءا، مؤكداً أن إيقاف الحرب والبدء بمشروع سلام أو تحييد الاقتصاد وصرف الرواتب على الأقل أصبح ضرورة بعد أكثر من أربع سنوات أرهقت المواطن اليمني وجعلته غير قادر على احتمال المزيد من المعاناة.
واعتبر العودي التدخلات الأممية ، بـأنها تدخلات شبه دبلوماسية تارة تميل هنا وأخرى هناك، وتستقي معلوماتها من أطراف النزاع وليس من الضحايا وأصحاب الشأن، كما أن تلك التدخلات لا تتصف بالثبات إذ تناقض بعض تقاريرها أو تغيرها وتسحب بعض فقراته المتعلقة بأطراف النزاع خصوصا الدولية.
وأشار إلى فشل الجهات الدولية في إقناع الأطراف المتنازعة المحلية والدولية بتسوية الملف الاقتصادي ومعالجة الإشكاليات التي تواجه القطاع المصرفي وصرف رواتب موظفي الدولة والتي كان من الممكن أن تسهم في التخفيف من وطأة الأزمة الإنسانية كون أكثر من ( ١.٢ مليون) موظف يعيلون أكثر من (ثلثي) الأسر اليمنية يضاف إلى أن استمرار الرواتب يحرك دورة اقتصاد السوق وينعش الحركة الاقتصادية عموما.
وأكد المدير التنفيذي لجمعية الصرافين اليمنيين، على ضرورة إشراك ممثلي القطاع المصرفي في أي مفاوضات تتعلق بالسلام، كي يتسنى لهم تقديم المقترحات للأطراف الدولية الساعية إلى إحلال السلام، وأبرزها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث والبنك وصندوق النقد الدوليين والمنظمات الإنسانية وكل الدول المهتمة بالشأن اليمني.
بيئة العمل المصرفي
واعتبر المدير التنفيذي لجمعية الصرافين اليمنيين أن بيئة العمل المصرفي في اليمن في ظل الانقسام الحاصل بين البنك المركزي في عدن وصنعاء، باتت أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، ومكبلة بإجراءات متناقضة يصعب على المؤسسات المالية والمصرفية العاملة التعامل معها وإرضاء الطرفين، وهو ما يحتم على مكونات القطاع المصرفي تصعيد المطالب الهادفة إلى تحييد الاقتصاد اليمني كحل لإنقاذ الاقتصاد اليمني من المزيد من التدهور .
وأوضح أن ما يعانيه القطاع البنكي والمصرفي هو نتاج إقحام الاقتصاد الوطني في أتون الصراع..
وأضاف: "وكما هو غير خاف على العالم أجمع فهناك وضع إنساني كارثي في اليمن وكل يوم هو إلى الأسوأ وسيزداد كارثية إذا ظل السلام بعيد المنال ولغة الرصاص هي الحكم ، وفي حال نأت هذه النخب الاقتصادية عن المشاركة بنفسها فيمكن الخروج بنتائج فعالة اقتصاديا".
البنوك والتجار ضحايا الصراع
ويرى خبراء اقتصاد ومحللون أن القطاعات التجارية والمصرفية والصناعية و القطاع الخاص وكبار التجار والمستوردين في اليمن، باتوا في مأزق كبير إذ وقعوا حالياً بين سندان الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً ومطرقة حكومة جماعة الحوثيين (أنصار الله) وكلا الطرفين يفرض عليه إجراءات قاسية ورسوما باهظة أثقلت كاهله وكبدته خسائر فادحة.
وقال المحلل والخبير الاقتصادي اليمني مصطفى نصر، تعليقا على إجراءات البنوك وشركات الصرافة، "يعد هذا تجليا لإقحام الملف الاقتصادي في الحرب الدائرة في اليمن وهو ما كنت قد أشرت له قبل بضعة أشهر".
وأضاف نصر، وهو رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن في منشور على صفحته بالفيس بوك رصدته وكالة ديبريفر للأنباء :"من الواضح أن الجمعيتين في وضع لا يحسد عليه اإذ تمارس عليهما ضغوط كبيرة جعلتهما عاجزتين عن الإفصاح عن المطالب الحقيقية للقطاع المصرفي، إذ بدا البيان الأخير وكأنه يحمل إملاءات الحوثيين على الجمعيتين أكثر منه مطالب حقيقية للبنوك وشركات الصرافة".
وأشار إلى أن البنك المركزي اليمني في عدن يدير ظهره لتلك المطالب طالما وأن الجمعيتين تحت معطف الحوثيين، بل ويفرض قرارات وشروط هي الأخرى تعد عبئا إضافيا على القطاع المصرفي.
وخلص نصر إلى أن القطاع المصرفي "بنوك وصرافة " أصبح بين شقي الرحى، فلا هو قادر على الركون لبنك مركزي معترف به ويفتقر للفاعلية والتأثير، وليس آمنا على مصالحه من تغول جماعة لن تجد غضاضة في اقتراف اي شيء لتحقيق ما تريد"، وفقاً لتعبيره.
وحمل البنك المركزي اليمني واللجنة الاقتصادية العليا التابعة للحكومة الشرعية في بيان مشترك السبت الفائت ، جماعة الحوثيين و ما أسماها لجان تدمير الاقتصاد التابعة لها، مسؤلية انهيار سعر العملة الوطنية وارتفاع مستوى معاناة المواطنين، بإحداث الأزمات، ورفع أسعار السلع وانتعاش السوق السوداء.. داعياً الأمم المتحدة ومنظماتها المختصة، إلى تحمل مسؤولياتها والقيام بدورها الإنساني، لإيقاف ممارسات وإجراءات جماعة الحوثيين والوقوف مع الشعب اليمني أمامها.
وعبر البيان ، عن تطلع الحكومة الشرعية ، بأن تدرك البنوك اليمنية مسؤوليتها الوطنية التاريخية في كسر الحصار الذي يمارسه المضاربون عليها وعلى الشعب اليمني وإعادة الدورة النقدية إلى البنوك والتفاعل مع التسهيلات التي يقدمها البنك المركزي والهادفة إلى خلق استقرار سلعي واستقرار في العملات الأجنبية حد قوله.
وكان البنك المركزي في عدن قد اتخذ سلسلة من الإجراءات والقرارات القوية، الهادفة كما يقول، إلى استعادة سيطرته على مجريات السياسات النقدية حيث أقر مجموعة من الشروط لاستيراد المواد والسلع الغذائية الأساسية والمشتقات النفطية، مبدياً استعداده لتغطية احتياجات المستوردين من العملة الصعبة وبسعر يقل عن سعر السوق بعشرة ريالات.
وأثارت التدابير الاقتصادية التي أقدمت عليها الحكومة اليمنية "الشرعية" ممثلة في اللجنة الاقتصادية العليا والبنك المركزي اليمني في عدن، غضب جماعة الحوثيين (أنصار الله) التي شعرت بأن الخناق ضاق عليها خصوصاً مع اتهامات ضدها بتهريب النفط الإيراني والأموال عبر المصارف الخاضعة لها في صنعاء.
وتتهم جماعة الحوثيين، الحكومة اليمنية "الشرعية" بالقيام بممارسات تضر الاقتصاد الوطني ولا تخدمه، ما دفعها مؤخراً إلى تكثيف ضغوطها على الأمم المتحدة لإجبارها على الضغط على حكومة "الشرعية" لوقف إجراءات البنك المركزي اليمني في عدن، بحسب ما يراه مراقبون ومحللون اقتصاديون.
ويستورد اليمن أكثر من 90 بالمائة من احتياجاته الغذائية بما في ذلك معظم احتياجاته من القمح وكل احتياجاته من الأرز.
وتؤكد الأمم المتحدة أن الوضع الإنساني في اليمن هو "الأسوأ في العالم"، وأن البلاد أصبحت على شفا المجاعة مع ارتفاع عدد المحتاجين لمساعدات إنسانية وحماية عاجلة إلى أكثر من 24 مليون يمني، أي ما يزيد عن 80 بالمائة من السكان، ب ، بمن فيهم 8.4 مليون شخص لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم المقبلة، ويعاني نحو مليوني طفل من النقص الحاد في التغذية.
وتسبب الصراع في مقتل نحو 11 ألف مدني يمني، وجرح مئات الآلاف، وتشريد ثلاثة ملايين داخل اليمن وفرار الآلاف خارج البلاد.