أدان المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، اليوم الثلاثاء، ما أسماه "جهود" المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي المسلح المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، للسيطرة على مؤسسات الدولة، وذلك بعد 10 أيام من إحكام قوات المجلس سيطرتها على مدينة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة للبلاد.
غريفيث وخلال إحاطة تقدم بها إلى جلسة مجلس الأمن الدولي التي انعقدت اليوم لمناقشة التطورات في اليمن، عبّر عن قلقه من العنف الدائر في محافظتي عدن وأبين جنوبي البلاد. وقال "أُدين الجهود غير المقبولة التي يبذلها المجلس الانتقالي الجنوبي للسيطرة على مؤسسات الدولة".
واعتبر أن ما حدث في عدن مؤخراً "سيدفع صوب فوضى شاملة ستستفيد منها الجماعات المتطرفة مثل القاعدة وداعش، ويهدد باندلاع صراع محلي والإضرار بالنسيج المجتمعي في جنوب اليمن، ويشل عمل مؤسسات الدولة".
وعبّر المبعوث الأممي عن رفضه لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على مؤسسات الدولة في عدن، مؤكداً ضرورة "عودة الحكومة اليمنية الشرعية لممارسة مهامها في عدن، ومن غير المقبول وجود سلطة غير سلطة الحكومة الشرعية".
وأكد أن المعارك الأخيرة في محافظتي عدن وأبين جنوبي اليمن، تسببت بتدمير المؤسسات الحكومية ومقتل العشرات من المدنيين، مشيراً إلى أن "مؤسسات الدولة لن تتمكن من أداء مهامها وسط العنف في عدن. ويجب ان تكون عدن تخت إدارة حصرية لمؤسسات الدولة اليمنية".
وحذر غريفيث من أن "تقسيم اليمن تحول إلى تهديد حقيقي، ويجب العودة إلى الوضع الطبيعي لمنع تمزيق النسيج الاجتماعي، هذا يستدعي مضاعفة الجهود من أجل ذلك".
وقبل عشرة أيام وتحديداً في10 أغسطس الجاري، أحكمت قوات "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، سيطرتها على كامل مدينة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية "الشرعية" عاصمة مؤقتة للبلاد، وذلك بعد اشتباكات عنيفة مع قوات الحكومة، استمرت أربعة أيام وأسفرت عن مقتل 40 شخصاً وإصابة 260 آخرين، وفق بيان للأمم المتحدة حينها.
واتهمت الحكومة اليمنية "الشرعية" الإمارات بالوقوف وراء ما اعتبرته "انقلاباً آخر" عليها في عدن نفذه الانتقالي الجنوبي، بعد "انقلاب الحوثيين" عليها في صنعاء أواخر العام 2014، لتصبح هذه الحكومة بلا مقر حالياً.
وفي اليوم ذاته، طالب التحالف العربي الذي تقوده السعودية لدعم "الشرعية" اليمنية، الانتقالي الجنوبي بسحب قواته من المواقع التي سيطر عليها، وهدد بشن ضربات على تلك القوات إن لم تستجب لمطالبه، فيما دعت الرياض طرفي الاقتتال إلى حوار عاجل في المملكة.
ورفض المجلس الانتقالي الانفصالي سحب قواته، لكنه رحب بالدعوة إلى الحوار.
وتقود السعودية ومعها حليفتها الرئيسية الإمارات، تحالفاً عربياً عسكرياً ينفذ منذ 26 مارس 2015، عمليات برية وجوية وبحرية ضد جماعة الحوثيين (أنصار الله) في اليمن، دعماً لقوات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته المعترف بها دولياً لإعادتهما إلى الحكم في صنعاء التي يسيطر الحوثيون عليها وأغلب المناطق شمالي البلاد ذات الكثافة السكانية والحضرية منذ أواخر العام 2014.
وأثنى المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته لمجلس الأمن الدولي اليوم الثلاثاء، بجهود التحالف العربي لاستعادة الهدوء في عدن، وجهود السعودية ودعوتها لعقد حوار بين طرفي الاقتتال في عدن، مؤكداً أنه يشجع الطرفين المتصارعين إلى المشاركة في الحوار المزمع إقامته في مدينة جدة السعودية.
ودعا إلى ضرورة اشراك المجموعات الجنوبية في أي مشاورات سياسية للحل في اليمن، مشيراً إلى وجود "ضرورة عاجلة لوضع حد للنزاع واستئناف الانتقال السياسي في اليمن".
واستغل انفصاليون جنوبيون الحرب في اليمن، وعززوا حضورهم بدعم الإمارات ثاني أهم دولة في التحالف. ودعمت أبو ظبي إنشاء المجلس الانتقالي الجنوبي في مايو ٢٠١٧، ودربت وسلحت قوات محلية تابعة للمجلس نفذت محاولة انقلاب عسكري فاشلة في يناير 2018 ضد الحكومة اليمنية الشرعية في عدن راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى.
والانتقالي الجنوبي الذي يدعو إلى انفصال جنوب اليمن عن شماليه، يُنصِّبُ نفسه ممثلاً عن المواطنين في جنوبي اليمن ويسعى لفرض سيطرته على جميع مناطق ما كان يُعرف باليمن الجنوبي، غير أنه لا يحظى بتأييد شعبي كامل هناك، سيما مع وجود كيانات أخرى تتحدث باسم "الجنوب"، لكن "الانتقالي" يُعد أبرز تلك الكيانات لما يملكه من ذراع عسكري أنشأته وتدعمه دولة الإمارات.
وفي ما يتعلق بالصراع الدائر في اليمن منذ قرابة أربع سنوات ونصف، كشف المبعوث الأممي، أنه قدم "اقتراحاً للأطراف اليمني لإحراز مزيد من التقدم في تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق الحديدة"، معرباً عن توقعه رداً رسمياً نهائياً من الأطراف بحلول يوم 25 أغسطس الجاري، ومؤكداً أن "الأطراف تدرس الاقتراح بعناية".
وقال "هناك ضرورة عاجلة لوضع حد للنزاع واستئناف الانتقال السياسي، وكل الخطوات التي ناقشناها هنا من قبل على مدار أشهر شهدت تأخيرات ولم تكن المهمة بالسهلة منذ بدأت عملي". وأضاف: " الجميع راغب بالتواصل الى حل سياسي في اليمن. لا وقت نضيعه وازدادت الرهانات المرتبطة بمستقبل اليمن والمنطقة والعالم بأكمله".
واعتبر غريفيث أن اتفاق ستوكهولم حول الحديدة يسعى لضمان وقف النار، لافتاً إلى أن هذا الاتفاق هو "مؤقت لمعالجة الاوضاع الانسانية وليس السياسية، ومحطة مهمة في مسار السلام اليمني".
ووصف المفاوضات بين الحكومة الشرعية والحوثيين بشأن الأسرى بالـ"بطيئة" وتطيل معاناة السجناء اليمنيين، كما ندد بالهجمات المستمرة للحوثيين على المنشآت المدنية في السعودية، حد تعبيره.
واتفق طرفا الصراع اليمني خلال مشاورات للسلام في السويد جرت في ديسمبر 2018 برعاية الأمم المتحدة، على وقف إطلاق النار في محافظة الحديدة المطلة على البحر الأحمر وإعادة انتشار قواتهما من ميناء ومدينة الحديدة ومينائي الصليف ورأس عيسى، إلى مواقع متفق عليها خارج المدينة والموانئ الثلاثة، مع إرسال بعثة تابعة للأمم المتحدة لمراقبة ذلك، بالإضافة إلى تبادل كافة الأسرى لدى الطرفين وتخفيف حصار الحوثيين على مدينة تعز.
لكن الاتفاق الذي كان من المفترض الانتهاء من تنفيذه في يناير الماضي، تعثر حتى الآن وسط تبادل الطرفين للاتهامات بعرقلة التنفيذ.
ويسيطر الحوثيون على مدينة الحديدة وموانئها منذ أواخر العام 2014، فيما تحتشد قوات يمنية مشتركة موالية للحكومة "الشرعية" والتحالف العربي، في أطراف المدينة منذ مطلع نوفمبر الماضي بغية انتزاع السيطرة عليها من قبضة الحوثيين.