تظاهر الآلاف في مدينة التربة إحدى كبرى مدن محافظة تعز جنوب غربي اليمن، اليوم الأحد، رفضاً لحشود عسكرية تابعة لحزب الإصلاح (فرع الإخوان المسلمين في اليمن) تحت غطاء الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دولياً، بهدف السيطرة على مناطق "الحجرية" التي يسيطر على غالبيتها اللواء 35 مدرع التابع للحكومة الشرعية أيضاً لكنه لا يدين بالولاء للإخوان المسلمين.
وردد المتظاهرون هتافات ورفعوا شعارات منددة بمحاولات قوات حكومية موالية لحزب الإصلاح جر المديرية للاقتتال الداخلي واستهدافها لمناطق "الحجرية".
وطالبوا بتشكيل لجنة محايدة للتحقيق في أحداث منطقة البيرين ومدينة التربة مركز مديرية الشمايتين، ورصد الانتهاكات والجرائم التي ارتكبت بما فيها قصف القرى ونهب الممتلكات وإعدام الأسرى ومحاسبة المتسببين فيها وجبر الضرر في المنطقة والمدينة اللتان شهدتا منتصف اغسطس المنصرم اشتباكات أسفرت عن سيطرة قوات حزب الإصلاح على منطقة البيرين. كما طالبوا بالانسحاب الكامل للقوات التي تموضعت في المديرية خارج مسرح عملياتها وعودتها فوراً إلى مواقعها.
ودعا المتظاهرون الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الذي يقيم في العاصمة السعودية الرياض منذ مارس 2015، إلى "التدخل السريع بقرارات صارمة تستهدف إعادة بناء المؤسستين العسكرية والأمنية في محافظة تعز على أسس وطنية ومهنية بعيداً عن تغول النفوذ الحزبي وبما يضمن استبعاد سيناريوهات الاحتراب الداخلي".
ويفرض حزب الإصلاح (فرع الإخوان المسلمين) عبر قواته العاملة تحت غطاء "الشرعية" اليمنية والذي يهيمن على قرار الرئاسة والحكومة، سيطرته على مدينة تعز وغالبية مديريات المحافظة، ويسعى لاستكمال سيطرته على بقية المناطق الخاضعة لقوات حكومية غير موالية للحزب، فيما تشهد جبهات القتال التي تتولاها قوات الحزب ضد جماعة الحوثيين الذين ما يزالون يسيطرون على نحو سبع مديريات هدوء منذ أكثر من عام.
وتساءل المتظاهرون في بيان صادر عنهم قائلين: "اليوم وبعد اربع سنوات من الحرب، نتساءل: إلى أين وصلت معركة تحرير تعز من الحوثيين؟!، ولماذا تغيرت أولويات قيادة المحور والألوية العسكرية من تحرير الأرض المغتصبة من الانقلاب الحوثي إلى تحرير المحرر وتحديداً تلك المديريات المعدة ضمن مسرح عمليات اللواء ٣٥ مدرع؟!".
وأضاف البيان: "لم تعد دوافع ذلك التجاوز والتحشيد خافية، فالقوى الحزبية المستأثرة بالقرار داخل الجيش تعمل تحت تأثير الشهوة بالاستحواذ والسيطرة وضمن احلام التمثيل السياسي المنفرد للمحافظة وأوهام المؤامرة"، وذلك في إشارة إلى سيطرة حزب الإصلاح على المؤسسة العسكرية للشرعية اليمنية.
وفي وقت لاحق اليوم الأحد، وجه وزير الدفاع في الحكومة اليمنية "الشرعية" المعترف بها دولياً، الفريق الركن محمد علي المقدشي، بسرعة سحب الأطقم العسكرية من منطقة التربة وإعادتها إلى مقراتها وأماكنها في محافظة تعز.
تأتي هذه التظاهرة عقب يومين من دعوة القيادي في حزب الإصلاح، قائد ما يسمى "المقاومة الشعبية" في محافظة تعز، حمود سعيد المخلافي، أفراد الحزب الذين يقاتلون في الحدود السعودية، إلى سرعة العودة لمحافظة تعز بهدف ما أسمه "تحريرها وحمايتها من المخاطر والتهديدات التي تحيط بها".
وقال المخلافي في بيان نشره في صفحته على فيسبوك الجمعة، إن "مجلس المقاومة الشعبية في تعز قد جهز كل الترتيبات لاستقبال الجنود العائدين من الحد الجنوبي للسعودية واحتوائهم في صفوف الجيش والمقاومة"، معتبراً "عودة الجنود من الحد واجبا وطنيا مقدسا لا يقبل التنازع أو المساومة".
ووفقاً لمراسل "ديبريفر" في تعز، فإن مناطق الحجرية يسيطر عليها اللواء 35 مدرع الذي يقوده قيادات موالية للحزب الناصري، وتعمل تحت مظلته كتائب سلفية تعرضت لعدة ضربات من قوات حزب الإصلاح التي طردت تلك الكتائب من مدينة تعز مركز المحافظة، كما تحتضن "الحجرية" عدد كبير من النازحين من أسر مقاتلين في صفوف قوات المقاومة الوطنية التي يقودها طارق صالح نجل شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، ويسعى حزب الإصلاح لطرد كل تلك القوى لأنها لا تدين بالولاء له.
وفي 17 أغسطس المنصرم، حذرت كتائب أبي العباس السلفية التابعة للواء 35 مدرع التابع للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، من سقوط جبهة "الكدحة" في مديرية الشمايتين بمحافظة تعز بيد الحوثيين، بسبب قطاع ما أسمتها "ميليشيات" حزب الإصلاح خط الإمداد الرئيس لوحدات الكتائب في تلك الجبهة.
وقال قائد كتائب أبي العباس، العقيد عادل عبده فارع، في رسالة وجهها إلى قائد اللواء 35 مدرع، إن "ميليشيات حزب الإصلاح (فرع الإخوان المسلمين في اليمن) قامت مساء الخميس 15 أغسطس 2019 بشن هجوم شرس على نقطة البيرين وطريق الكدحة (تسيطر عليها كتائب أبي العباس) المؤدي إلى خطوط النار مع الحوثيين".
وأضاف أن "ميليشيات حزب الإصلاح استخدمت في الهجوم جميع أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة، ونتج عن ذلك مقتل العديد من الشهداء وإصابة آخرين".
ويتهم عدد كبير من السياسيين والناشطين والمواطنين في عدن وجنوب البلاد وتعز، حزب الإصلاح المسيطر على القرار في الرئاسة والحكومة الشرعية اليمنية، باستخدام نفوذه لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية.
ويرى مراقبون ومتابعون سياسيين يمنيون أن جزء كبير من قوات الحكومة المعترف بها دولياً والوحدات العسكرية التي تدين بالولاء للإخوان المسلمين، تسير وفق أجندات لا تخدم هزيمة الحوثيين، وتنفذ خطط الحزب وأهدافه ولا يهمهم استعادة كيان الدولة.
وخلال نحو أربع سنوات ونصف، لم تتمكن قوات "الشرعية" اليمنية التي يهيمن حزب الإصلاح (فرع الإخوان المسلمين) على قرارها، من السيطرة على أجزاء كبيرة من محافظات البلاد الواقعة تحت سلطة الحوثيين، رغم وقوف تحالف عسكري مكون من نحو 17 دولة إلى جانبها، فيما يؤكد محللون ومراقبون وسياسيون أن السبب في ذلك هو "فساد الشرعية اليمنية وفشلها في إدارة شؤون البلاد".