اتهم فريق خبراء تابع للأمم المتحدة، يوم الثلاثاء، التحالف العربي الذي تقوده السعودية، بعدم الجدية في التحقيقات التي يجريها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن التي تشهد حرباً دامية على السلطة منذ زهاء أربع سنوات ونصف.
وقال كمال الجندوبي رئيس فريق الخبراء الدوليين والإقليميين الذي شكلته الأمم المتحدة بغرض التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، خلال استعراضه تقريراً لفريقه، إن تحقيقات الفريق، أظهرت ارتكاب أطراف النزاع في اليمن انتهاكات عديدة، من بينها الغارات التي يشنها التحالف وقصف الحوثيين والقوات الحكومية والجماعات المسلحة المدعومة إماراتياً.
واستعرض الجندوبي أمام اجتماع الدورة الـ42 ، لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، تقرير الفريق الأممي بشأن وضع حقوق الإنسان والانتهاكات التي خلفتها الحرب في اليمن، مؤكداً أن هذه الانتهاكات تثير مخاوف بشأن احترام مبدأ التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية.
وأكد استمرار الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري وسوء المعاملة في منشآت تسيطر عليها الحكومة اليمنية والإمارات والحوثيون.
وذكر رئيس الفريق الأممي أن التحقيقات التي أجراها التحالف في اليمن تفتقر للجدية لأنها خلصت لتبرئته، داعياً إلى ضرورة إجراء تحقيقات إضافية في ظل إعاقة عدة أطراف لعمل اللجنة المكلفة بالتحقيقات، على حد قوله.
وفيما لفت إلى امتناع التحالف العربي، والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، عن الإجابة على استفسارات الفريق بشأن الجرائم في اليمن، قال الجندوبي إن سلطات صنعاء (الحوثيين) تجاوبت معه بالإيجاب لكن التحالف منع الفريق من الوصول إلى أماكن سيطرة سلطات الحكومة الشرعية.
ويدور في اليمن منذ زهاء أربع سنوات ونصف، صراع دموي على السلطة بين الحكومة المعترف بها دولياً (الشرعية) مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده السعودية، وجماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران.
وينفذ التحالف، منذ 26 مارس 2015، عمليات برية وجوية وبحرية ضد جماعة الحوثيين (أنصار الله) في اليمن والمدعومة من إيران، وذلك دعماً لقوات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته لإعادته إلى الحكم في صنعاء التي يسيطر الحوثيون عليها وأغلب المناطق شمالي البلاد منذ سبتمبر 2014.
وتسبب استمرار الحرب في اليمن في سقوط نحو 11 ألف قتيل من المدنيين وإصابة عشرات الآلاف غالبيتهم نتيجة غارات طيران التحالف، وتشريد ثلاثة ملايين شخص داخل البلاد وفرار الآلاف خارجها، بالإضافة إلى "أسوأ أزمة إنسانية في العالم" بحسب الأمم المتحدة.
وقال رئيس فريق الخبراء الأممي خلال استعراضه لتقريره يوم الثلاثاء في جنيف، إن "الأعمال العدائية التي ترتكب في اليمن ترقى إلى انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي وترقى إلى جرائم حرب، وإن دول التحالف رغم وعودها بإعادة النظر في ممارساتها، ما زالت تؤثر بشكل خطير على المدنيين وتودي بحياتهم".
وحدّد تقرير فريق الخبراء مجموعة الأفراد المسؤولين عن هذه الجرائم، وأعلن تقديم قائمة سرية محدّثة بأسمائهم إلى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان.
ولاقت ممارسات التحالف العربي وحربه في اليمن والتي سقط فيها مئات المدنيين، استنكاراً في جلسة مجلس حقوق الإنسان التي غابت عنها كل من ممثلي السعودية والإمارات، فيما رفض ممثل الحكومة اليمنية التقرير ووصفه بالمسيّس.
وطالبت دول عدة مثل روسيا والدنمارك وسلوفاكيا بوقف استهداف المدنيين في اليمن، فيما طالبت ممثلة منظمة العفو الدولية أمام مجلس حقوق الإنسان، بوقف نقل الأسلحة إلى جميع أطراف النزاع وسط مخاطر من استخدامها في قتل اليمنيين. وأضافت "لا أحد يمكنه التنبؤ بالمخاطر التي يسببها نقل الأسلحة إلى أطراف النزاع هناك".
"الشرعية" ترفض التجديد للخبراء
وأثار تقرير فريق الخبراء غضباً لدى دول التحالف العربي وأيضا لدى الحكومة الشرعية التي أعلنت رفضها لتجديد ولاية فريق الخبراء الأممي، متذرعة بأن هذا التجديد تدخل في الشؤون اليمنية.
وكثفت وزارة الخارجية في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مؤخراً لقاءاتها لحشد الدعم لرفض تمديد ولاية فريق الخبراء الدوليين الذي شكله مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان باليمن.
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بنسختها في الرياض والتابعة للحكومة المعترف بها دولياً عن وكيل وزارة الخارجية الدكتور منصور بجاش، خلال لقائه يوم الاثنين في الرياض سفير بوركينا فاسو، مانسا أونتانا، قوله "إن إصرار بعض الدول على تمديد ولاية ما يسمى بفريق الخبراء رغم عدم حيادتيه ونزاهته، هو صورة أخرى من صور تسيس ملف حقوق الإنسان والتدخل في الشؤون الداخلية وعدم احترام الآليات الوطنية لهذه الدول".
واتهم الدبلوماسي اليمني، الفريق الأممي بـ"الابتعاد كل البعد عن النزاهة والحيادية وتجاوز الولاية الممنوحة له"، مضيفاً أن "موقف الحكومة اليمنية لم يتغير تجاه التمديد لولاية الفريق".
وسبق أن انتقدت الحكومة "الشرعية" التقرير الذي أصدره فريق الخبراء الدوليين ووصفته بأنه "خرج عن قواعد الموضوعية والنزاهة" وهو الموقف نفسه الذي تبناه التحالف العربي بقيادة السعودية لدعم الشرعية في اليمن، من الفريق وتقريره الصادر الثلاثاء الفائت.
وتم تشكيل فريق الخبراء البارزين المعني باليمن، في سبتمبر 2017، وجرى تجديد ولايته لمدة عام في سبتمبر 2018. وفي دورته الـ42 المنعقدة حالياً في جنيف، سينظر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في تمديد ولاية الفريق مجدداً.
وفي سبتمبر العام الماضي أعلنت الحكومة اليمنية "الشرعية" عن رفضها تمديد ولاية فريق الخبراء بشأن حقوق الإنسان، وأنها لن تتعاون معه من "منطلق حقها كدولة عضو في الأمم المتحدة بعدم المساس والتدخل بشؤونها الداخلية".
واعتبرت وزارة الخارجية في حكومة هادي حينها أن "التمديد لفريق الخبراء على الرغم من تجاوزاته سيؤثر سلباً على الآليات الوطنية للوصول والمحاسبة وتحقيق العدالة".
من جهته، اعتبر التحالف الذي تقوده السعودية لدعم الشرعية في اليمن، يوم الخميس الماضي، تقرير لفريق الخبراء التابع للأمم المتحدة نشرته الثلاثاء الماضي بشأن الحرب في اليمن، "فاقداً للموضوعية والحياد".
وقال المتحدث الرسمي باسم التحالف، العقيد تركي المالكي، في بيان، إن تقرير خبراء الأمم المتحدة حمل "ادعاءات واتهامات ومزاعم ومغالطات"، مضيفاً أن "المغالطات والاتهامات الموجهة للتحالف في هذا التقرير ليست سوى استمرار للمغالطات والاتهامات الواردة في تقريره السابق لعام 2018".
وزعم متحدث التحالف أن تقرير الفريق الأممي "جاء مستنداً على افتراضات لوقائع وادعاءات ومزاعم بوجود انتهاكات لأحكام القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الانسان منسوبة لدول التحالف ليس لها أي أساس من الصحة".
والثلاثاء الفائت قال تقرير لخبراء الأمم المتحدة نشره مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، إن التحالف العربي يلجأ لتجويع المدنيين كتكتيك حرب، لافتاً إلى أن أكثر من 24 مليون شخص في اليمن يعولون على تلقي المساعدات للبقاء على قيد الحياة.
وأفاد التقرير بأن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ربما شاركت في جرائم حرب باليمن من خلال دعمها للتحالف العربي الذي تقوده السعودية عبر تقديم العتاد والمعلومات والدعم اللوجيستي.
وأضاف أن "حكومات اليمن والإمارات والسعودية، وكذلك الحوثيين واللجان الشعبية التابعة لهم، قد استفادوا من غياب المساءلة حول انتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان".
وأكد فريق الخبراء في تقريره ضرورة وضع حد لسياسة الإفلات من العقاب في اليمن. كما أبرز الدور الذي تلعبه دول غربية كداعم أساسي لتحالف الدول العربية، وما تلعبه إيران كداعم للحوثيين.