Click here to read the report in English
أعلنت المملكة العربية السعودية، يوم الأربعاء، بدء العمل في تطوير وتأهيل وتحديث ميناء نشطون في محافظة المهرة (شرقي اليمن) الحدودية مع السعودية وسلطنة عُمان، في خطوة تأتي كما يبدو، ضمن تحضيرات المملكة لمد أنبوب نفط من أراضيها إلى بحر العرب عبر الأراضي اليمنية كخط ناقل بديل لطرق صادرات النفط الخليجي الضخم يكون تحت سيطرتها، بعيداً عن تهديدات طهران المستمرة بإغلاق مضيق هرمز الذي تتحكم به إيران.
وقال البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن في تغريدة على "تويتر" رصدتها وكالة "ديبريفر" الدولية للأنباء، إن البدء بتنفيذ أعمال إعادة تأهيل ميناء نشطون في محافظة المهرة، تهدف إلى زيادة القدرة الاستيعابية للاستيراد والتصدير وتسهيل تفريغ وشحن البضائع التجارية ودعم قطاع الثروة السمكية.
وذكر أن إعادة تأهيل المينا تهدف أيضاً إلى تحسين الخدمات في الميناء الواقع على بحر العرب، وسرعة وصول المواد الغذائية والتجارية، وكذا تسهيل وصول المواد الإغاثية والإنسانية وتحسين الحياة للأهالي.
واعتبر البرنامج الذي أرفق "انفوجرافيك التنمية" الخاص بميناء نشطون، أن إعادة تأهيل الميناء يعد أحد أهم مشاريع قطاع النقل والموانئ في البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن.
وأشار إلى إن أعمال تأهيل الميناء التي يشارك فيها 310 موظفا منهم 110 إداري و200 عامل، تتضمن إنشاء مباني جديدة، وترميم مباني قديمة، وتأهيل أرصفة الميناء، وتوفير أنظمة حماية، وتأهيل ساحات حراج الصيادين، وغيرها من أعمال الإنارة الداخلية والخارجية.
وأوضح البرنامج السعودي أن بعد إعادة تطوير ميناء نشطون ستصل الطاقة الاستيعابية للميناء يومياً إلى ألفين طن مشتقات نفطية، و200 طن مواد غذائية وتجارية سيتم تفريغها بالميناء.
بديل لـ"هرمز"
ويرى مراقبون ومحللون اقتصاديون أن إعلان السعودية بدء تنفيذ أعمال تأهيل وتطوير ميناء نشطون، يأتي في إطار التحضير لتنفيذ المملكة طموحها في مد أنبوب نفط من أراضيها إلى بحر العرب عبر الأراضي اليمنية وتحديداً محافظة المهرة ليصب الأنبوب في ميناء نشطون على ساحل المحافظة ذاتها.
وأكد هؤلاء لوكالة "ديبريفر" الدولية للأنباء، أن السعودية تعتزم جدياً إنشاء خط أنبوب نفطي دولي يمتد من منطقة "خرخير" في الحدود السعودية المحاذية لمحافظة المهرة إلى ميناء نشطون اليمني القريب من الحدود مع سلطنة عمان.
وكشفت مصادر خاصة لوكالة "ديبريفر" أواخر العام الماضي، عن أن سعي السعودية لإنشاء خط أنبوب نفطي دولي إلى البحر العربي يأتي ضمن مساعيها لامتلاك خط ناقل بديل لطرق صادرات النفط الخليجي الضخم يكون تحت سيطرتها، بعيداً عن التهديدات الإيرانية المستمرة بإغلاق مضيق هرمز الذي تتحكم به إيران، علماً أنه أيضاً المنفذ البحري الوحيد لدول العراق والكويت والبحرين وقطر.
ويعد مضيق هرمز أهم مسار بحري لنقل النفط في العالم، وتمر فيه قرابة 30 ناقلة نفط يومياً تحمل ما يقارب 15 مليون برميل من الخام، أي نحو 30 بالمئة من إجمالي تجارة النفط المنقول بحرا.
وبحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن السعودية التي تُعد من أكبر منتجي النفط في العالم بـ10 ملايين برميل يومياً، تصدر معظم نفطها في ناقلات تمرّ في مضيق هرمز.
ويجب أن تمر معظم كميات النفط الخام المصدرة من السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى جميع كميات النفط المصدر من الكويت والعراق والبحرين والغاز الطبيعي المسال من قطر، عبر مضيق هرمز الذي يبلغ عرضه بين 50 و34 كيلو متر بين سلطنة عُمان وإيران.
ويدور صراع مستمر بين السعودية وإيران من أجل الزعامة على قيادة العالم العربي والإسلامي، وتجلى ذلك الصراع في الحرب المستمرة في اليمن منذ زهاء أربعة أعوام ونصف وبصورة أخف في سوريا ولبنان والعراق.
وجاء شروع المملكة في تنفيذ أعمال تأهيل وتطوير ميناء نشطون عقب أربعة أيام، من هجوم كبير استهدف منشأتين نفطيتين لعملاق النفط السعودي شركة "أرامكو" في محافظتي "بقيق" و"هجرة خريص" في المنطقة الشرقية للسعودية، السبت الفائت، واتهمت وزارة الدفاع السعودية، رسمياً مساء اليوم الأربعاء، إيران بالوقوف وراء هجوم السبت شرقي السعودية.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع السعودية، العقيد الركن تركي المالكي، في مؤتمر صحفي حول الهجوم على شركة أرامكو السعودية للنفط، إن الهجوم لم ينطلق من اليمن، بحسب ما أعلنت جماعة الحوثيين (أنصار الله) مسؤوليتها عنه السبت الفائت، وذلك على الرغم من الجهود "العظيمة" التي بذلتها إيران لجعل الهجوم يظهر وكأنه انطلق من اليمن، مضيفاً: "هذا الهجوم انطلق من الشمال وبلا شك كان مدعوماً من إيران".
وتبنت جماعة الحوثيين (أنصار الله) في اليمن المسؤولية عن الهجوم ، ما أدى إلى حرائق هائلة فيهما، وذلك في ثالث هجوم من هذا النوع يتبناه الحوثيون خلال أربعة أشهر على منشآت تابعة للشركة.
وتسبب الهجوم في توقف أكثر من نصف إنتاج المملكة أو ما يزيد على خمسة بالمئة من الإمدادات العالمية، أي نحو 5.7 ملايين برميل يومياً.
واستغلت السعودية الحرب الدائرة في اليمن للعام الخامس على التوالي، وقيادتها تحالفاً لدعم الحكومة "الشرعية"، لتنشر قوات كبيرة في محافظة المهرة الحدودية مع عُمان، أواخر العام 2017، وعززتها مطلع العام الماضي بقوات أخرى سيطرت من خلالها على مطار الغيضة وميناء نشطون ومنفذي شحن وصرفيت على الحدود مع عُمان.
وبررت الرياض ذلك بحماية الحدود ومنع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين عبر السلطنة. وتمنع هذه القوات حركة الملاحة والصيد في ميناء نشطون ، وحولت مطار الغيضة الدولي إلى ثكنة عسكرية ومنعت الرحلات المدنية من الوصول إليه، وذلك وسط معارضة شديدة من غالبية أهالي المهرة الذين ينظمون وقفات ومهرجانات بشكل مستمر احتجاجاً على الوجود العسكري السعودي.
وتصاعدت الاحتجاجات لأبناء المهرة وقياداتها القبلية والسياسية لتتطور إلى اعتصام مفتوح منذ أكثر من عام ووقفات احتجاجية مستمرة تطالب بمغادرة القوات السعودية من المحافظة ورفضاً لمشروع الأنبوب النفطي الذي تعمل السعودية على إنشائه من أراضيها حتى سواحل بحر العرب في المهرة، كما تطالب تلك الاحتجاجات بتسليم منفذي شحن وصرفيت وميناء نشطون ومطار الغيضة الدولي إلى القوات المحلية، والحفاظ على السيادة الوطنية.
ويؤكد مشائخ ووجهاء ومواطنون في محافظة المهرة، أن التواجد العسكري السعودي في المحافظة أصبح شبيه بالاحتلال أو الوصاية.
وتعتبر محافظة المهرة أقصى شرقي اليمن، المُحاذية للحدود مع عُمان، التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، مع قوات سعودية، بعيدة عن أزمات اليمن وحروبها، ولم يصلها نفوذ الحوثيين نهائياً طوال فترة الحرب، كما أن هذه المحافظة في مأمن عن نشاط التنظيمات الإرهابية "القاعدة" و"داعش".
وتعد المهرة المطلة على بحر العرب، من المحافظات اليمنية ذات الأهمية الكبيرة، نظرا لموقعها الإستراتيجي والثروات الطبيعية التي تمتلكها ما جعلها محل أطماع القوى الخارجية.
وتتصل المهرة بصحراء الربع الخالي من الشمال وتمتلك شريط ساحلي على بحر العرب بطول يصل إلى نحو 500 كم؛ وتشترك مع عُمان بشريط حدودي شاسع وترتبط معها بمنفذي (شحن، صرفيت)، وتقترب مساحتها من مساحة دولة الإمارات (297،67 كم مُربع).
ظروف ملائمة
الطموح السعودي ليس وليد اللحظة بل كان حلماً يراود المملكة منذ زمن وتحديداً إبان حكم الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح الذي وضع شروطاً لمرور الأنبوب من أراضي بلاده رأتها السعودية غير ملائمة لها ما دفعها للعدول عن تنفيذ طموحاتها.
غير أن الظروف اليوم، أصبحت أكثر ملائمة لتنفيذ طموح المملكة سيما مع السيطرة شبه الكاملة للتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن الذي تقوده السعودية، على قرار الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً ورئيس البلاد عبد ربه منصور هادي الذي يتخذ وحكومته من الرياض مقراً لإدارة شؤون اليمن وتخوض قواته بدعم من التحالف حرباً ضارية سيما في أغلب المحافظات الشمالية والغربية ضد جماعة الحوثيين (أنصار الله) منذ أكثر من أربعة أعوام ونصف، بغية العودة إلى الحكم في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون بعد فرار الرئيس هادي منها في يناير 2015.
الأهمية الاستراتيجية
وتعد المهرة المطلة على بحر العرب والواقعة في أقصى شرق البلاد ثاني أكبر محافظة يمنية من حيث مساحتها بعد حضرموت حيث تبلغ 82 ألف و405 كيلو مترات مربع، ويقطنها 122 ألف نسمة يغلب عليهم الطابع القبلي البدوي وأغلبهم مغتربون في عُمان والسعودية والإمارات.
ويصل طول الشريط الساحلي لمحافظة المهرة إلى نحو 560 كم على بحر العرب، وفيها ميناء نشطون، الذي يعد من الموانئ القابلة للتطور وزيادة النشاط، سيما وأنه يقع على مقربة الخط البحري الملاحي الدولي في المحيط الهندي القريب من أحد أهم المراكز الصناعية والتجارية في شرق أسيا، وهو ما يقلق الأمارات العربية المتحدة الشريك الرئيسي في التحالف العربي الذي تقوده السعودية، كون تحرك النشاط التجاري في هذا الشريط الساحلي سيلحق ضرراً كبيراً بميناء جبل علي في دبي.