في 12 ديسمبر المقبل سيكون الجزائريون على موعد مع استحقاق قانوني وهو الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل.
هذه الانتخابات، برفضها، المتظاهرون في الحراك الشعبي المستمر منذ نحو تسعة أشهر، بينما تدعمها قيادة أركان الجيش. وتؤكد الحكومة إنها الحل الوحيد الذي يكرس الخيار الدستوري، للخروج من أزمة الفراغ السياسي المؤسساتي منذ 2 إبريل، تاريخ استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
ودخلت الجزائر مرحلة عدم استقرار سياسي منذ إلغاء ترشح بوتفليقة لفترة خامسة، تبعها إلغاء الانتخابات الرئاسية، وتفعيل المادة 102 من الدستور التي تقضي بعزل الرئيس لأسباب صحية.
ما أهميتها؟
تكتسب الانتخابات الرئاسية المقررة في الجزائر أهمية بالغة بسبب موجة المظاهرات الاحتجاجية السلمية، التي أدت إلى تغيرات جذرية في بنية النظام الذي أرساه بوتفليقة.
ووضعت تلك الاحتجاجات الجزائر على حافة المجهول، لكنها في النهاية حافظت على سلميتها، على الأقل لحد الآن.
وترى الحكومة أن الانتخابات هي الطريق الوحيد لتكريس الحل الدستوري، أي المرور بالاقتراع بديلا عن المرحلة الانتقالية.
وتعتقد غالبية المتظاهرين في الحراك السلمي، بأن هذه الانتخابات هي "تكريس للثورة المضادة وعودة لرموز نظام بوتفليقة".
وتبدو الصورة غير واضحة تماما لكثيرين، لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في البلاد بعد الثاني عشر من ديسمبر المقبل القادم.
وكان رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح المؤيد للانتخابات قد قال عن الانتخابات إنها قرار لا رجعة عنه، بينما يتحدى ناشطون وحقوقيون هذه الانتخابات، ويتوعدون بمقاطعة تاريخية لها، خاصة في منطقة القبائل.
5 مرشحين.. من هم؟
صادق المجلس الدستوري على قائمة نهائية بأسماء المترشحين، وهم خمسة:
عبد المجيد تبون: مرشح مستقل، ورئيس وزراء سابق.
علي بن فليس: رئيس وزراء سابق، ورئيس حزب طلائع الحرية .
عز الدين ميهوبي: الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي وآخر وزير للثقافة.
عبد القادر بن قرينة: رئيس حزب العدالة والبناء، تقلد عددا من المناصب من بينها وزير السياحة ورئيس البرلمان.
عبد العزيز بلعيد وهو رئيس جبهة المستقبل.
وتتراوح أعمار المترشحين بين 56 و75 سنة، وجميعهم تقلدوا مناصب سياسية في عهد بوتفليقة.
وينظر لعلي بن فليس على أنه "جزء من النظام السابق" وأنه أقرب لأحزاب المعارضة التقليدية، خاصة بعد رفضه للمرحلة الانتقالية، وقبوله دعوة الجيش للانتخابات.
أما عبد المجيد تبون فهو الآخر يتذكره غالبية الجزائريين كوزير للسكن، و رئاسته للحكومة لم تدم أكثر من ثلاثة أشهر في 2017، بسبب خلافات بين المسؤولين داخل النظام السابق.
وبالنسبة لعبد القادر بن قرينة، فهو ممثل التيار الإسلامي في قائمة المرشحين. كان أحد مؤسسي حركة مجتمع السلم (تيار الإخوان المسلمين) قبل أن ينشق عنها ويؤسس حركة البناء الوطني.
ويرأس عز الدين ميهوبي حزب التجمع الوطني الديمقراطي، أحد الحزبين الرئيسيين للسلطة، إلى جانب جبهة التحرير الوطني.
أما عبد العزيز بلعيد، فهو الأقل شهرة بين المترشحين، وقد تدرج في المنظمات الشبابية الموالية للسلطة، إلى أن أصبح رئيس حزب، وكان طيلة مسيرته، من بين من اعتمد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على دعمهم في سنوات حكمه.
من يقاطع الانتخابات؟
تقاطع الانتخابات حركة مجتمع السلم، وكانت من القوى المشاركة في "التحالف الرئاسي" الذي دعم بوتفليقة، إلى غاية انسحابها منه في 2012.
وتقاطعها أيضا جبهة العدالة والتنمية، التي يرأسها عبد الله جاب الله (إسلامي)، والحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي أسسه كريم طابو أحد المسؤولين السابقين في جبهة القوى الإشتراكية المعارضة.
ويرفض هذه الانتخابات أيضا عدد من الشخصيات السياسية، من أبرزها رئيس الحكومة السابق مولود حمروش، وهو من الشخصيات الإصلاحية في جبهة التحرير الوطني، وكان رفض دعوات شعبية تطالبه بالترشح مشككا في أن تؤدي إلى حل جذري للأزمة التي تمر بها البلاد.
لماذا تغير موعد الانتخابات مرتين ؟
كان تاريخ 18 إبريل 2019 هو آخر يوم من الفترة الرئاسية الرابعة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لكن ترشحه لفترة خامسة أشعل غضب الملايين من الجزائريين، وكانت شبهة الفساد خلال عهده أهم أسباب موجة الاحتجاجات الرافضة لترشحه.
واضطر بوتفليقة للاستقالة في الثاني من إبريل الماضي، ولما تولى عبد القادر بن صالح منصب رئيس الجمهورية المؤقت، تقررت الانتخابات في تاريخ 4 يوليو من السنة نفسها.
لكن المجلس الدستوري رفض إجراء الانتخابات بمرشحين اثنين فقط، وأعلن تأجيلها إلى غاية 12 ديسمبر من هذا العام.
آلية الانتخاب ..ودور القضاء
يتم ذلك من خلال الاقتراع العام والمباشر، بمشاركة من يحق له الانتخاب. وإذا لم يحصل أحد المرشحين على أغلبية الأصوات، فإن الناخبين يذهبون مرة أخرى إلى الدور الثاني.
تشرف على تنظيم الانتخابات "السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات" والتي قالت الحكومة إنها مستقلة عن وزارة الداخلية، من أجل ضمان شفافية الاقتراع.
وحسب القانون الجزائري يسهر القضاة على مراقبة قوائم الناخبين التي غالبا ما تكون نقطة خلاف بين الحكومة والمعارضة، هذا بالإضافة إلى دورهم في المصادقة على محاضر فرز الأصوات، والنتائج أيضا.
القضاة في الجزائر ليسوا جزءا من الحراك السلمي، لكنهم أضربوا بالتزامن مع مسيرات الحراك اليومية، من أجل مطالب مهنية واجتماعية، بالإضافة إلى رفضهم سيطرة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية.
وكان كثيرون من الناشطين والمتظاهرين علقوا آمالا كبيرة على القضاة، بعد تهديدهم بعدم الإشراف على الانتخابات، أو تبرئة ساحة عدد من الناشطين والمثقفين الذين اعتقلوا بتهمة المساس "بالأمن العام وسلطة الدولة."
إلا أن الحكومة توصلت إلى اتفاق مع نقابة القضاة الوطنية مؤخرا، وأنهوا بموجبه حركتهم الاحتجاجية، لكنهم خلفوا أيضا صدمة بين ناشطي الحراك السلمي.
إلى أين ستؤدي الانتخابات الرئاسية؟
ترى الحكومة أن الانتخابات الرئاسية مفتاح حل الأزمة التي فجرتها رغبة الرئيس السابق في الترشح لفترة خامسة، وأنها تكرس الحل الدستوري الذي يدعمه الجيش.
ويقول أحمد قائد صالح رئيس أركان الجيش: "إن الانتخابات هي استكمال لتطبيق المادة 102 من الدستور، وإنها البديل لأي مبادرات أخرى يمكن أن تعرض أمن الجزائر للخطر".
لكن الملايين من الجزائريين يرون أن هذه الانتخابات تكريس للثورة المضادة حسب وصفهم، وعودة للنظام ورموزه على حساب المطلب الشهير للمتظاهرين وشعارهم "رحيل كل العصابة".
ويطالب ناشطو الحراك بأن تكون هناك "مرحلة انتقالية حقيقية" لا يشارك فيها أي من رموز النظام السابق ومسؤوليه، وأن أي انتخابات يجب أن تشرف عليها سلطة تنفيذية مستقلة، تنبثق عن حوار شامل مع كل قوى المجتمع.
(المصدر: BBCعربي/ ديبريفر).