حابل كورونا اختلط بنابل الحميات الغريبة .. صنعاء تسير على خطى عدن وعشرات الضحايا يتساقطون يوميا

تقرير: أبو الغيث بن حسن (ديبريفر)
2020-05-27 | منذ 4 سنة

Click here to read the story in English

استطاع الصحفي اليمني المخضرم عبدالرحمن بجاش، توصيف ما يحصل في العاصمة اليمنية صنعاء وغيرها من المحافظات اليمنية مؤخراً في جملة عميقة : " الفيسبوك اليمني تحول إلى مجرد بوابة مقبرة.. لا تكاد تفتح إلا لتلتقيك جنازة".. اختزال لواقع مرعب يعيشه اليمنيين منذ أكثر من شهر بصورة مأساوية.

يسيطر القلق على منشورات اليمنيين في مواقع التواصل الاجتماعي، ويحاول بعضهم الظهور متماسكاً وإيجابياً داعياً الناس التشبث بالحياة والانتصار على الموت حتى ولو كان كورونا هو من يحمله.

وفي بلد يعاني من انهيار في قطاعه الصحي، فضلاً عن الاقتصادي وأغلب البنى التحتية المدمرة بسبب الحرب التي دخلت عامها السادس دون مؤشر لأي سلام يلوح في أفق مشبع بالبارود والدم والتعنت السياسي، ليس غريباً أن يتساقط الناس موتى بفعل عديد أمراض وأوبئة هي أصلاً لم تعد موجودة إلا في اليمن، وقد أضيف لها مؤخراً كورونا الفتاك.

اختلط حابل كورونا بنابل حميات غريبة أصابت الناس في عديد محافظات يمنية كصنعاء وعدن وإب وتعز والحديدة، وأثارت فزعهم بسبب تشابه أعراضها مع الفيروس الذي أجبر العالم إعلان حالة الطوارئ منذ بضعة أشهر، ولم يخرج مسؤول صحي يمني ليخبر الناس ما الذي يحصل بالضبط؟.

إنً الفيروسات تشابهت علينا

وتنتشر في العاصمة اليمنية صنعاء وعدد من المحافظات حميات غريبة، تتشابه في أعراضها مع فيروس كورونا المستجد، وقد اشتكى عدداً من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي من اصابتهم بحميات غريبة استمرت معهم منذ نصف شهر.

وقال أحد سكان مدينة صنعاء لوكالة "ديبريفر" أنه عانى من حمى مصحوبة بآلام شديدة في مفاصله وزكام قرابة نصف شهر، مع فقدان كامل لحاستي "الشم والمذاق" استمر حتى بعد تعافيه.

وقال آخر أنه شعر بحمى شديدة قبل 10 أيام، استمرت معه ثلاثة أيام متتالية، أصيب بعدها بالزكام، وعلى الرغم من استخدامه لأدوية الزكام والمسكنات إلا أن تحسن صحته لا يستمر سوى ساعات قليلة، لينتكس مجدداً.

تبدو الحميات متشابهة في كل من صنعاء وعدن، غير أنها كانت أشد فتكاً بالمئات في المحافظة الواقعة جنوب اليمن كونها تخضع لصراع بين الحكومة الشرعية والانتقالي المدعوم إماراتياً، صراع لا يكترث بالوضع الصحي لها، ولا بسوء الخدمات العامة وانعدامها كالكهرباء والماء.

وتسير صنعاء على خطى عدن في تسجيل وفيات بأعداد كبيرة، وفي حين تتحفظ السلطات الصحية في صنعاء على التعليق حول أسباب حالات الوفاة تلك، تغص مواقع التواصل الاجتماعي يومياً بعشرات التعازي، أنه تصرف غبي من سلطات تتكتم في زمن وسائل التواصل الاجتماعي.



قائمة وفيات رفيعة

يوم أمس الاثنين، تداول ناشطون يمنيون قائمة بأسماء شخصيات قيادية واجتماعية كبيرة ماتت وتبادل اهلها وأصدقائها عبارات التعازي دون الكشف عن السبب الرئيسي لوفاتهم.

من بين من توفوا أمس، عبدالواحد هزاع العديني، موظف رفيع في وزارة الخارجية اليمنية، كان قد اشتكى من المرض الذي أجبره دخول المستشفى يوم الـ19 من مايو الجاري، وهناك دخل في معاناة شديدة لم تستمر 5 أيام حيث توفي بشكل صادم خاصة لزملائه في السلك الدبلوماسي اليمني.

قائمة الموتى التي تم تداولها بشكل واسع أمس الاثنين، كانت لرجال أعمال وعسكريين وقانونيين وأدباء وحتى أطباء، وأغلبهم من كبار السن الذين تتراوح أعمارهم ما بين الـ50 و 70 عاماً.

حالات الموت المتزايدة سواء بسبب كورونا أو الحميات لم تكن حكراً على عدن وصنعاء، محافظات كـ"إب وتعز" تشهدان وضعاً مماثل وشديد الخطورة.

وكتب الصحفي عبدالقوي شعلان، على صفحته في "الفيس بوك" :"في تعز حميات على مدار السنة، خاصة مع تقلبات الفصول وسقوط الأمطار، لكن حميات تعز هذا العام 2020م، يصاحبها حالة توجس وخيفه من أن تكون الحميات، والصداع، هي أعراض او مقدمات لكورونا، الأمر الذي ادخل المرضى واهاليهم في جو من القلق".

ووصف الصحفي ماجد ياسين ما يحدث في محافظة إب وسط البلاد بالمخيف، داعياً الناس بأن يخافوا على أنفسهم ويبقوا في منازلهم.

ويتحدث ناشطون حقوقيون في صنعاء عن جنازات غامضة يتم إجبار أهاليها على دفن موتاهم بسرية وبحضور أشخاص لا يزيدون عن ثلاثة، في حين يتم دفن عشرات الموتى في أماكن غير مخصصة للدفن.

السلطات لا تكترث لما يحصل

وسألت وكالة "ديبريفر" أحد الأطباء في صنعاء عن التشخيص الحقيقي للحميات المنتشرة مؤخراً، فقال إن "جميع الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي تشترك في الأعراض فيما بينها ويصعب التشخيص النهائي إلا عند معرفة الحمض النووي أو أحد تمريناته السامة به".

وأكد إنه بالنسبة لفقدان حاسة الشم والمذاق التي يشتكي منها كثيرين "ليس بالضرورة أن يكون سببها فيروس كورونا، لأن أي مرض فيروسي أو بكتيري أو حتى تحسسي أو زوائد أنفية قد يتسبب بفقدان حاستي الشم والتذوق".

ورجح الطبيب اليمني أن من أسباب انتشار الحميات هي "موجة الأمطار المتواصلة التي شهدتها البلاد خلال الشهرين الفائتين، وقد تسببت أيضاً بانتشار الحمى الشوكية، لكن السلطات لا تكترث لذلك".

وثمة من يقول أن الأعراض المرضية التي ظهرت على أغلب اليمنيين منذ مطلع مايو الجاري، تؤكد أن كورونا قد أصاب المجتمع اليمني فعلاً، ولكن بنسب وتأثير متفاوت.

دعوة للصحة العالمية

وزيرة يمنية سابقة وأكاديمية مرموقة دعت منظمة الصحة العالمية الاستجابة للقيام بواجبها الإنساني والأخلاقي فوراً في اليمن، وذلك بالتعاون مع الأطباء والمقيمين في الداخل اليمني لتقييم ومعرفة ما يحصل صحياً وإنسانياً، خصوصاً مع ضعف إمكانات التشخيص لأسباب الوفيات وتزايد أعداد الضحايا بينهم أطباء وعاملين في القطاع الصحي.

وقالت الدكتورة وهيبة فارع على صفحتها في "الفيس بوك":" اختلط الحابل بالنابل، ولم يعد يُعرف ما هو الوباء الذي يهاجم اليمنيين، ويقضي على الضحية في مدة أقصاها 36 ساعة بعد وفاة أعداد من العاملين الصحيين مع الضحايا".

وتابعت فارع متسائلة" هل هو كورونا أم مكرفس أم ضنك أم طاعون؟ أم هي أوبئة أخرى مجهولة انتشرت بعد الفيضانات وما خلفته السيول من مياه راكدة اختلطت بمياه الشرب؟!".

خلال سنوات الحرب في اليمن، قتلت أوبئة كالكوليرا والدفتيريا وانفلونزا الطيور والخنازير وحمى الضنك والمكرفس والملاريا الآلاف من المواطنين، وأصابت مئات الآلاف، ويبدو أن جولة موت عنيفة وكاسحة تتربص باليمنيين تقول المنظمات الدولية أنها قد تقتل نصفهم.


لمتابعة أخبارنا على تويتر
@DebrieferNet

لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام
https://telegram.me/DebrieferNet