مونديال قطر 2022 من الشك إلى الجدارة والفرادة

ديبريفر - باسل الدبعي
2022-03-25 | منذ 2 سنة

أشهر قليلة لانطلاقة الحلم والخلود المنتظر.

لطالما اعتاد العالم على وضع تصور ذهني مسبق عن العالم العربي فيه الكثير من السلبيات التي وضعت العرب في خانة الضعف وعدم القدرة بل، أدخلتهم زنزانة لا يعرف لها سبيل، حتى غدا العرب موضع توجس وتخوف في أي محفلٍ دولي تنافسي ولكن، في العام 2010 ومع إعلان الفيفا لقطرالبلد الفائزبشرف استضافة مونديال 2022 فتحت تللك اللحظة أنظار العالم عما ما لا تريد أن تراه في منطقتنا العربية من مقدرات وطموحات لم تكن بحاجة لأكثر من الفرصة لتغدو سباقةً في كل المنافسات وعلى كافة الأصعدة لتصبح تلك اللحظة بداية قصة ستقود العالم إلى قراءة مغايرة لما حوله وأكثر إنصافًا.
ولأن الحقيقة عن عالمنا العربي ومحيطنا في الشرق الأوسط  لم تكن تُرى بالنسبة للعالم -ليس لصغرها أو لفداحتها- بل لأن الصورة التي صُدرت عن الشرق الأوسط ككل كانت وليدة خيال هو بنفسه مُعكر، فغدت قطر منذ ذلك الوقت حتى اليوم وقبل إنطلاق البطولة بأشهر الأمل الأكثر قربًا للذهن العربي الجمعي، إذ باتت تعتبر انتصارًا جماعيًا للشرق الأوسط ككل أمام عالم اعتاد التشكيك فيما يمكن أن تقدمه منطقتنا العربية- على وجه التحديد- للرياضة العالمية.
وعند الحديث اليوم عن مونديال قطر 2022 فإنه من الإنصاف الإشارة إلى الواقع الذي صنعته هذه الدولة اليوم في المنطقة والذي يقودنا إلى سرد عددٍ من النقاط التي ستخلق بطولةً قد تكون إبرة الميزان مستقبلًا أمام الراغبين في الحصول على شرف استضافة هذه البطولة -فضلا عن كونها- بمثابة الثورة  والصحوة للمنطقة لكي تبدو أكثر شجاعة في تبني ملفات تنظيمية هي الأقوى بعدما اعتادت وصف "الأضعف".
ولأن كل بطولة رياضية لا تسعى لأكثر من التفوق وتحقيق الانتصار والإنجاز وفي حالة قطر تأتي فكرة البرهان المضاد لحالة الشكوكية التي هز بها العالم رأسه منذ لحظة الإعلان كأولوية، ومونديال قطر 2022 وقبل أن يبدأ كان قد وضع مؤشرات على أنه لن يكون الأقوى فحسب، بل برهانًا للمتعة التي وجدت من أجلها هذه البطولة وهي تضم في بقعة جغرافية واحدة قارات العالم كلها، غير أن المثير في الأمر هو أن الآراء التي أُطلقت إزاء فوز قطر بحق الاستضافة، والتي كانت كلها تعتقد أن منح قطر لهذه الأحقية هو: بمثابة الانتصار المفترض للشرق الأوسط  ولو من باب الشفقة، بددته السنوات اللاحقة للحظة الإعلان تلك.
وفي الحقيقة إن ما اثبتته الأيام بدخول دولة بحجم قطر جغرافيًا وأن تنافس دول عملاقة لهو شجاعة خالصة في القرار وجدارة وأحقية أثبتتها السنوات، فقد خالفت قطر كل التوقعات والتصورات السيئة- الأوروبية على وجه الحصوص- بالواقع الذي صنعته أمام ما يمكن أن نسميه " بهياج الشخصية الأوروبية " وما تصريح المدرب الهولندي فان خال بقوله: " أن الأمر ليس أكثر من اهتمام بالمصالح الاقتصادية بالنسبة للفيفا" ليس سوى دلالة على هذا الهياج غير المبرر والذي إن دل على شيء فإنما يدل على ما سبق وقلته" هياج الشخصية الأوروبية أمام كل ماهو من خارج هذه القارة " أوجهلاً بحقيقة ما صنعته قطر حتى اليوم في الملف التحضيري والتنظيمي للبطولة، بل يتعداه إلى اعتبار تصريحاته بالطاعة العمياء للذات المجروحة  ليلحق بنفسه الحرج وهو من بلدٍ لم تستضف هذه البطولة في يوم من الأيام ولم تفز بها، وأعتقد أن هذه مناسبة ملائمة للرد على مثل هذه التصريحات التي باتت أشبه بالتعذيب والجلد الذاتي فلا شيء أكثر عذابًا للنفس البشرية من نتائج تنفي فرضيات ظل المرء لسنوات يصوغها.
وفي ذات السياق سأحاول وضع نقاط في هذا التقريرتشرح وتفصل ما يمكن أن يصنعه هذا الحدث والعرس الكروي ولماذا سيشكل سابقة على كافة المستويات.

 

مونديال العرب هل يمنح الجزائر شيء من الطمأنينة نحو المونديال العالمي ؟ مونديال العرب ثم العالم:

اعتادت الدول المترشحة لاستضافة كأس العالم على تقديم ملفات تصفها على الدوام بأنها ذات خصوصية وفرادة، ولكن هذه المرة وفي مونديال قطر 2022 تعتبر هذه البطولة بخصوصية هي الأبرز وهي: الحلم العربي المشترك، وما لم تصنعه السياسة منذ أزمنة طويلة صنعته الرياضة بل ثبتته في وجدان العرب، إذ غدا هذا الملف بالنسبة للعرب هو الحلم الذي أفردت له قطر الكثير من الجهد الممنهج والعمل المستمر والذي سيتعين على العرب ككل دعمه باعتباره الحلم الذي فتته ضعف الرؤية في الملفات السابقة ولملمته قطر. ففي خمس مناسبات سابقة تقدمت المغرب لنيل شرف استضافة هذه البطولة على أرضها ولكنها في المرات السابقة كلها اصطدمت بشراسة الملفات المنافسة وتصوراتها النظرية التي ظلت حبيسة الأوراق دون أن تتحقق، والحال لا يختلف عند ملف ليبيا وتونس والذي قدم لنيل شرف استضافة بطولة 2010، ومثلهما مصر التي ما تزال تصارع في هذا الطريق مسنودة بآخر تصريحات رئيس الفيفا( جياني انفانتينو) بأن "مصر قادرة على استضافة مونديال 2030".
وعند الحديث عن خصوصية هذه البطولة بالنسبة للعرب فإن ثلاث نقاط رئيسية تجعل من هذه البطولة كالشجرة الواحدة بالنسبة للعرب بثمار مشتركة، ولعل أول الأسباب التي تجعلنا نقول بأن مونديال 2022 هو مونديال العرب أولًا والعالم ثانيًا هي: الخبرة التي سيكتسبها العرب في بناء قدراته التنظيمية في استضافة الأحداث الكروية، فالتجربة القطرية لن تقتصر نتائجها على قطر لوحدها بل سيمتد أثرها إلى المحيط العربي ككل -خصوصًا- مع تقديم قطر للفرص التطوعية أمام الراغبين بأن يصبحوا حجرأساس في إنجاح هذه البطولة، والأمر لا يقف عند ذلك الحد بل إن أثرها قد يمس بشكل إيجابي ملفات الدول العربية مستقبلًا والراغبة في احتضان هذا العرس الكروي -خصوصًا- بعد فشل الكثير من الدول العربية في الفوز بأحقية تنظيم هذه البطولة حيث ستصبح المنطقة جاهزة فنيًا ومهاريًا وبكوادر بشرية ذات تجربة لاستضافة هذه البطولة.
وفي المقابل نجاح قطر في استضافة البطولة سيزيح الستار عن منطقتنا العربية ككل أمام أنظار العالم وستتبدل صورة هذه المنطقة التي لطالما عرفت بالغموض واقترنت بالعجز بل، قد تكون هذه الفرصة بمثابة رحمة سماوية مستحقة ومذاقًا أوليًا للخلاص من حالة الجمود والشك الذي عصف بنا كعرب.

الدب الروسي غياب في مونديال شتوي

كأس من جمر على صفيح ساخن:

من المعروف أن الدوافع والتجارب والخبرات والجدية في أي ملف يقدم لاستضافة هذه البطولة هو من الضروريات لكن، الواقع الأمني يبقى حجر الأساس في إقناع العالم بأحقية البلد المستضيف وفي قطر كانت كل الظروف مهيأة لأن تنال شرف الاستضافة غير أن الواقع العالمي اليوم ومع اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية يضفي على هذه البطولة تحديًا من نوع خاص بالنسبة لقطر لكي تثبت للعالم أن ما ستمنحه للعالم من خلال هذه البطولة ليس فقط النجاح بل معيارًا تقاس به كل الرغبات والأهداف مستقبلًا.
فقطر تستضيف البطولة بعد أعوام من القطيعة مع محيطها والذي تجاوزته وتجاوزت كل الشكوك في قدرتها على المرور بذكاء من ذلك المنعطف الذي جعل الكثير من الصحف العالمية تعنون في كثير من صفحاتها واصفة الظرف الذي مرت به " بالمقلق" " الأخطار المتزايدة " " العالم يتحد ضد قطر" في إشارة صحفية أقل ما توصف به بأنها " وسيلة معتادة لمداواة الهزيمة " ولكن ماهو مؤكد أن نجاح قطر في تجاوز كل هذه الصعاب والتحديات أكسبها دعم العالم بل إتحد معها ما سيجعلها قادرة تمامًا على تخطي الوضع الراهن والذي اختلطت فيه السياسة بالرياضة.
فالبطولة المزمع انعقادها في ال21 من نوفمبر لن تكون كما البطولات التي سبقتها بل، إن حالة الاحتقان السياسي والتموضعات الدولية والتحالفات التي طرأت اليوم على الساحة العالمية ستجعل من هذه البطولة استثنائية وعلى صفيح ساخن مما يضع قطر في قلب التحدي والمواجهة على إنجاح هذه البطولة وتجاوز كل الأزمات التي ستسبقها، كما سيتعين على من أراد الفوز بهذه البطولة أن يمتلك يدين من حديد أمام كأس من جمر، والصورة ليست ببعيدة عنا، فما حدث في البرازيل في العام 2014 من مواجهات وشغب ومعارضة من قبل الشعب البرازيلي الساخط على أداء الحكومة جعل نجاح تلك البطولة كالمعجزة، ولكن في المقابل تجد أن حلم إنجاح هذه البطولة هو هدف مشترك بين القيادة القطرية وشعبها ما يعني أن كل التهديدات التي قد تصاحب هذه البطولة ومهما تعاظم حجمها ستكون فرصة لإثبات الجدارة مهما تعاظمت تحديات الدهر وصروفه.

الأرجنتين وميسي في المونديال ورونالدو يلوح من بعيد

فرصة للإنصاف ووعدٌ أخير:

كانت هذه البطولة وما تزال هي المقياس بالنسبة للجماهيرعلى عظمة مواهب كرة القدم، فأن يتوج لاعب ما بهذه البطولة يعني أنه قد توج مسيرته باللقب الذي يعتبر حجر الخلود بالنسبة للجماهير، ومونديال قطر هو الفرصة الأخيرة للاعبين كانا الأفضل في آخر 15 عامًا( رونالدو وميسي) فكلاهما حققا كل ما يتمناه لاعبو كرة القدم ولكنهما فشلا في استحقاق هذه البطولة خلال أربع مشاركات سابقة والتي تركت ثغرةً للمقارنات إن لم تكن للحرب بين المشجعين.
فميسي الذي عرف على الدوام بأنه الموهبة التي تعرف ما تريد، واللاعب الذي وضع الجماهير دومًا أمام ما هو مفاجئ سيكون من الصعب تصور مجمل مسيرته دون الظفر بهذا اللقب، ومثله رونالدو الذي تشارك مع ميسي المنافسة طوال سنوات ماضية والذي ما زال لم يحسم حضوره في المونديال وعالق بين شبح الإقصاء وأمل الغريق في النجاة من فخ إيطاليا بالتالي؛ يصبح مونديال قطر فرصة لإنصاف مسيرتهم ووعدٌ أخير أمام  طوفان العمر، وأن يحظى أحدهم بهذا اللقب على أرض عربية فإنها ستصبح خالدة وسترتبط بأذهان الجمهور لأزمان قادمة مثلها مثل ( يد الله) الشهيرة لمارادونا والتي ما إن نذكرها فإننا بالضرورة نستذكر معها الحكم العربي التونسي (علي بن ناصر)، إذ سيكتب في صفحات التاريخ أن الأول حقق اللقب المونديالي تحت أنظار حكم عربي والثاني فوق أرض عربية، وتلك فرصة للإنصاف والخلود ليكتب التاريخ أن الأول منح ( يد الله) الفرصة لمعانقة اللقب الذي توجه كأعظم لاعب في التاريخ والثاني( قطر) كتب لها أن يهبط على أرضها ( إنصاف القدر) للاعب لطالما كانت مسيرته منقوصة ما دام أنها لم تحقق هذا اللقب.

أثرٌ مستدام:

بالنظر إلى طبيعة الاستراتيجيات التي إتخذتها قطر واللجنة المكلفة بتسيير الجوانب التنظيمية والتحضيرية لهذا العرس الكروي، يمكن الوصول اليوم إلى جواب لسؤال قديم متجدد وهو: ما الذي سيتبقى من المونديال بالنسبة للبلد المستضيف بعد نهايته؟ - خصوصًا ونحن أمام آلة إعلامية عالمية كلما تحركت نحو الشرق الأوسط غدت أكثر عنفًا وشكوكية-، لكن الجواب قدمته قطر منذ البداية عبر مجموعة من ملاعبها ذات الطبيعة المستدامة وعلى رأسها ملعب 974 والذي لن تكون فائدته محصورة في زمن معين بل إن تفكيكه بعد الانتهاء من المونديال وإعاده تنفيذه في عدد من الدول النامية؛ سيفضي إلى بداية جديدة تضفي الديمومة في ذاكرة الشعوب على هذا الحدث، فالفكرة التي قدمت بهذا الشكل وعلى هذا المستوى إلى جانب كونها رائدة فإنها تقدم أدوارًا خدمية تعزز من قدرة قطر على إنجاح البطولة ودور منفعي بالنسبة للشعوب التي ستوزع عليها كثير من المرافق والمستلزمات الخدمية الرياضية التي لن تترك الأثر فقط، بل رسالة لكافة شعوب ودول العالم للتجاوز الكلي لافتراض القدرة بالنسبة لدول العالم الثالث والمنطقة العربية إلى الإبهار.
وذلك يتضح جليًا عبر مجموعة ملاعبها الثمانية التي أثبتت جاهزيتها في مونديال العرب الأخير، فضلًا عن الإبتكارية التي قدمتها اللجان المنفذة في إقامة أرضيات عشبية للملاعب متشابهة ومطابقة لمواصفات بعضها بعضًا مما يمنح اللاعبين الألفة والاستمرارية في الأداء فوق كل الملاعب وهي الحالة التي اشتكى منها كثيرًا اللاعبون في البطولات السابقة.
والحديث عن الأثر الذي ستصنعه هذه البطولة، لن يقف عند الحدود المنفعية النفسية بل إنها تتجاوز ذلك إلى تعزيز ثقافة المنطقة العربية في أذهان الشعوب وكسر الصورة النمطية التي ترسخت لسنوات في أذهان صناع  القرار، وما حرمان بلدٍ كـ(العراق ) من حق استضافة المباريات الدولية على أرضها وفرض حظر عليها  إلا صورة واحدة من صور النمطية التي تأتت نتائجها علينا جميعًا كعرب، بل إن هذا الحدث يعتبر بمثابة الطاقة التي ستتجاوز عقدة المستقبل بالنسبة للعرب وللمنطقة فهو وسيلة وأداة للمعرفة، انفتاح حضاري، خطوة على سلم الحضارة الإنسانية، صورة ملهمة لكل غاية يسعى إليها العرب في تنظيم مثل هذه البطولات واللحظة التي يمكن أن تصنع توازنات على كافة الأصعدة للمنطقة بالتالي؛ فإن الأثر الذي ستصنعه هذه البطولة قد يغدو ثلاثيًا( المال، القدرة التنظيمية والابتكارية المشتركة مستقبلاً، المعرفة والأفضلية ) ولا ننسى أن آخر 5 بطولات لكأس العالم بدءًا من اليابان وكوريا في العام 2002 إلى مونديال روسيا 2018 وضع الدول المستضيفة في سلة المفاضلة بين إحدى المكاسب ( المالية، أو التنظيمية المعرفية).
فاليابان على سبيل المثال: حققت في ذلك الوقت أرباحًا قدرت ب 13 مليار يورو، وفي النسخة التي تليها حققت ألمانيا رقمًا أقل وصل إلى عشرة مليارات يورو، غير أن الثانية عللت ذلك بقولها إن فائدتها المعرفية في تطوير قدراتها التنظيمية كانت هي الأهم لكن، الحال مختلف في هذه البطولة فأنت تتحدث عن أثرٍ سيترك بصمته على كافة المستويات، ناهيك عن العائد المالي المتوقع بالنسبة لقطر -خصوصًا-  وأنها البطولة الأولى التي سيستطيع الجمهور حضور أكثر من مباراة في اليوم بالتالي؛ يصبح مونديال 2022 هو بمثابة استثمار متعدد النتائج. ومن يتصفح عدد البطولات التي استضافتها قطر في آخر 15 عامًا سيجدها قد نجحت في استضافة أكثر من 500 بطولة عربية وآسيوية وعالمية غالبيتها أقيمت على ذات البنية التحتية التي وجدت بالأساس لهذه البطولة ( كاس العالم 2022)، بالتالي يصبح الحديث اليوم عن مونديال2022 كما لو أنه الجوهرة الأكبر التي تزين التاج، وإن شئتم فقولوا الغرور عند الجدارة.

فرنسا بطل ٢٠١٨ مرشح في مونديال أكثر ندية

تكافؤ الفرص وحظوظ متساوية:

قبيل انطلاق كل بطولة ( كأس العالم على رأسها) عادةً ما يبدأ المحللون والخبراء توقعاتهم للفرق الأقرب للفوز بالبطولة، وكأس العالم 2022 هو البطولة الأكثر خطرًا بالنسبة لمن شاء أن يتوقع أو أن يصبح حتى منجمًا، فالبطولة التي ستنطلق في ال 21 من نوفمبر قد تصبح واحدة من أقوى النسخ على مستوى المنافسة عطفًا على قوة المنتخبات والتغييرات التي شهدتها الساحة الكروية في آخر أربع سنوات. فالناظر إلى أداء المنتخبات الأوروبية في مشوار التصفيات وفي البطولة الأوروبية الاخيرة سيدرك تمامًا أن طغيان صورة المنتخبات التي اعتادت على تصدر المشهد في سباق التوقعات قد تصبح خدعة ومجرد حسابات خاطئة.
وقد نتساءل لماذا هذه النسخة تعد بالكثير؟ ببساطة إذا نظرنا إلى قائمة المنتخبات التي ترشحت بشكل مباشر حد اللحظة، فقد نستغرب كيف ترشحت منتخبات مثل صربيا والدنمارك وسويسرا وكرواتيا وتركت منتخبات مثل إيطاليا والبرتغال تخوض الملحق؟ لكن الحقيقة هو أن كرة القدم لم تعد تعترف بتاريخك ( كإيطاليا) المتوجة أربع مرات بلقب كأس العالم، ولا يمكن أن تمنحك الأفضلية المطلقة ما دمت تحتوي على واحدة من افضل التشكيلات على مستوى العالم ( كالبرتغال)، بل إن المحيط كله قد تلون اليوم بصبغة مختلفة عما عهدته كرة القدم، فالانتقال إلى فكرة الكرة الجماعية المُطعمة ببعض العناصر التي تصنع الفارق في لحظة سهوٍ واردة للخصم مهما كُبر، إضافة إلى الجودة في الأسماء وتقارب مستوياتها فنيًا في غالبية المنتخبات اليوم، ومع غياب الموهبة الطفرة الذي يمكن أن يصنع الفارق وحيدًا، جعلت من كل المنتخبات قابلة للهزيمة وقادرة على الفوز في آنٍ واحد، بالتالي فإن حالة التوازن التي أفرزتها السنوات الأخيرة على مستوى الأسماء ستصنع بطولة استثنائية في قطر، حتى تلك المنتخبات التي كانت تلعب بالأمل باتت تمتلك ضمانات لتضع بصمتها وحضورها في هذه البطولة، كاليابان وكوريا الجنوبية التي أقصت ألمانيا في مونديال روسيا.
ولأن كل بطولة لا تكتمل بدون حضور سحرة القارة اللاتينية فإن حالة هذه المنتخبات قد تبدو أكثر قوة وهو ما يمكن أن نسميه "بالإرث الأبوي" الذي يفرض نفسه على الجميع، فالأرجنتين اليوم تشهد النسخة الأكثر انسجامًا في صفوفها وإن لم تكن الأقوى على مستوى الأسماء لكن، هذا الانسجام كان قد أظهر نتائج مميزة خصوصًا وأنه المنتخب الذي ظفر باللقب الأخير في الكوبا أمريكا، ويمضي في سلسلة اللاهزيمة للمباراة السابعة والعشرين تواليًا ومثله الغريم الأزلي والأكثر تتويجًا بهذه البطولة خمس مرات ( البرازيل).
وفي أفريقيا والتي يمكن اعتبارها منشأ الدراما في هذه المحافل الكروية العالمية تمتلك عدد كبير من المنتخبات التي تضم في صفوفها كم كبير من اللاعبين المحترفين في الدوريات الكبرى بالتالي يمكن أن تترك البصمة في هذه البطولة وأن تحدث الكثير من المفاجآت.
إذن، يمكن أن نخلص إلى أن هذه البطولة حدث قابل لكل صورة، صورة قد تخضع الكأس لمن اعتادوا على أن يضحكوا فوق منصات التتويج وقد تبكيهم في ذات الوقت أمام أحلام منتخبات قد تتسم بالمغامرة يومًا وبالشجاعة المؤلمة لأصحابها يوماً آخر، لكن المؤكد أن هذه البطولة سينتصر فيها طرفان: المنتخب الذي سينال اللقب، وقطر ومن ورائها عالم عربي وشعوب حالمة بالمهد الذهبي الذي طال مخاضه.


لمتابعة أخبارنا على تويتر
@DebrieferNet

لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام
https://telegram.me/DebrieferNet