Click here to read the story in English
أكدت مجلة أمريكية أن الانتقادات المركزة على سلوك وأخطاء التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب الجوية المحتدمة في اليمن منذ أكثر ثلاث سنوات ونصف، مكنت جماعة الحوثيين (أنصار الله)، وأنصارهم الدوليين، من تجنب مناقشة السياسة المعقدة في اليمن وتجاوزات الحوثيين.
وقالت مجلة "ذا أميركان انترست" في مقال نشرته أمس، كتبه السفير الباكستاني الأسبق في واشنطن حسين حقاني الذي يعمل حالياً مدير قسم جنوب ووسط آسيا في معهد "هدسون" للسياسة الخارجية والأمن القومي في واشنطن، إن المخاوف المشروعة بشأن الإصابات في صفوف المدنيين جراء القصف الجوي السعودي، أدت إلى تجاهل العديد من المراقبين والمحللين والناشطين لدور إيران والاستقرار غير المحتمل في اليمن إذا ما نجح الحوثيون في إقامة حكمهم على البلد بأكمله.
وأشارت إلى أن النقد الإنساني لتكتيكات التحالف العربي خلال الحرب، دفع معظم المراقبين إلى تجاهل أن الحرب ضد الحوثيين تدعمها قرارات الأمم المتحدة الداعمة لاستعادة السيطرة الشرعية للحكومة على اليمن.
ولفتت المجلة الأمريكية إلى أن الانقسامات الداخلية في اليمن، والتي مكنت تنظيم القاعدة من إقامة قاعدة له هناك، أدت إلى تمهيد الطريق لإعادة تجميع القاعد لصفوفها من جديد. واعتبرت أن الشرق الأوسط لن يصبح أكثر أمناً إذا أصبحت اليمن غير المستقرة والتي يسيطر عليها الحوثيون قاعدة لتهديد جيرانها بدعم من إيران.
وأوضحت المجلة في مقال "حقاني"، أن مصلحة الولايات المتحدة بأن تكون الحكومة الشرعية اليمنية المدعومة من الحلفاء الأمريكيين هي الفائز بدلاً من الحوثيين المدعومين من إيران.
واعتبرت أن "الخيار هنا هو أن تُلقي الحكومة الأمريكية بثقلها لدعم جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة، شريطة ألا تكون المحادثات بمثابة غطاء للحوثيين للحفاظ على استمرار الحرب الأهلية في اليمن لسنوات. أي أن الولايات المتحدة ستتمكن من تقصير أمد الحرب من خلال لعبها دوراً واضحاً بدلاً من إبقاء نفسها بعيدة عن الأحداث في اليمن".
وكالة "ديبريفر" للأنباء، قامت بترجمة المقال من اللغة الإنجليزية إلى العربية، وفي ما يلي نصه:
بقلم: حسين حقاني*
يصور الحديث في وسائل الإعلام الغربية الحرب الدائرة في اليمن على أنها صراع "عقيم" أو "كارثي". واليمن بلد كانت عرضة للمشاكل القبلية والطائفية منذ عقود، وهي مهيأة لحالات التمرد والحروب الأهلية على أية حال. ولكن التعقيد التاريخي للسياسة اليمنية وعلاقتها المشحونة بالمملكة العربية السعودية لا ينبغي أن يُعمياننا عن جهود إيران لإنشاء جسر لها في شبه الجزيرة العربية من خلال تمكين ميليشيا الحوثي اليمنية.
من المستبعد أن ينتهي الصراع في اليمن في وقت قريب ما لم تكن القوى الخارجية المهتمة، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، تلعب دوراً نشطاً في احتواء إيران وإجبار الحوثيين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
يميل الأمريكيون إلى مشاهدة الأحداث في اليمن فقط من خلال منظور الأزمة الإنسانية لهذا البلد ودور المملكة العربية السعودية فيها، ولكن حتى إذا كان الطموح والخطأ في حسابات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أدى إلى تفاقم الوضع، فإن هناك مخاطر أكبر في اليمن أكثر من تلك التي يعترف بها منتقدو الحرب من الناحية الإنسانية.
تبدأ هذه الرهانات بالخطط المعترف بها علناً للاستراتيجيين الإيرانيين، الذين عبروا عن أملهم بإضافة صنعاء إلى قائمة العواصم العربية، بيروت ودمشق وبغداد، التي تقع تحت يد إيران وتنتمي إلى الثورة الإسلامية الإيرانية. ولهذا السبب، يدعم نظام آية الله خامنئي، الحوثيين أتباع حسين الحوثي، رجل الدين الذي ينتمي للطائفة الزيدية، الذي حارب الحكومة المركزية وقُتل في العام 2004، خلال الحرب الأهلية في اليمن.
تضم الحركة الحوثية مقاتلين مسلحين ومدربين تدريباً جيداً، ومنذ عام 2003 جعلت العبارات: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر الإسلام" شعاراً لها.
وأطلقت الحركة على نفسها اسم "أنصار الله". وهي تسعى بإصرار إلى الاستحواذ على السلطة عبر الوسائل العسكرية إلا أنها غير واثقة من الدعم، حتى من قبل سكان اليمن الشيعة.
وحزب الله، الميليشيا اللبنانية، هي بمثابة القدوة للحوثيين. فقد جمعوا أسلحة متطورة من إيران، وهددوا المملكة العربية السعودية بشن الهجمات الصاروخية، مثلما حاول حزب الله إظهار القوة وإعداد العُدة لمهاجمة المدنيين الإسرائيليين.
لكن التهديد الذي يشكله الحوثيون قد طغى عليه شجب الحملة الجوية السعودية ضدهم والتي يُلقى عليها اللوم في حدوث خسائر مدنية يمكن تجنبها. كما لم تُضعف هذا الانتقاد شهادة وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو مؤخراً أمام الكونغرس بأن السعوديين وحلفاء عرب آخرين يبذلون جهوداً أكبر لحماية المدنيين.
وتماماً كما تغطّي آلة دعاية حزب الله المدعومة من قبل إيران عنفها وإرهابها من خلال الضجة حول الخسائر المدنية الناجمة عن عمليات مكافحة الإرهاب الإسرائيلية، تمكن الحوثيون وأنصارهم الدوليون من تجنب مناقشة السياسة المعقدة في اليمن وتجاوزات الحوثيين من خلال الانتقادات المركّزة على سلوك التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب الجوية.
لقد أدت المخاوف المشروعة بشأن الإصابات في صفوف المدنيين جراء القصف الجوي السعودي إلى تجاهل العديد من المحللين والمراقبين لدور إيران والاستقرار غير المحتمل في اليمن إذا ما نجح الحوثيون، الذين هم أقلية داخل أقلية طائفية، في إقامة حكمهم على البلد بأكمله.
كما دفع النقد الإنساني لتكتيكات التحالف العربي، معظم المراقبين إلى تجاهل أن الحرب ضد الحوثيين تدعمها قرارات الأمم المتحدة الداعمة لاستعادة الحكومة الشرعية السيطرة على اليمن. ففي عام 2015، نص قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216، والذي اُعتمد بـتأييد 14 صوتاً مقابل لا شيء ضده وامتناع واحد عن التصويت، هي روسيا، على "انسحاب الحوثيين من جميع المناطق التي تم الاستيلاء عليها خلال النزاع الأخير والتخلي عن الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى وقف جميع الإجراءات التي تقع حصرا ضمن سلطة حكومة اليمن الشرعية والتنفيذ الكامل لقرارات المجلس السابقة".
ومنذ ذلك الحين، وصلت الحرب إلى طريق مسدود على الرغم من أن أجزاء من جنوب اليمن قد انتزعت من السيطرة الحوثية. لقد تحملت قوات الإمارات العربية المتحدة وطأة القتال البري. كان هجومها، الذي بدأ في يونيو، لإزاحة الميليشيات المتمردة من ميناء الحديدة، يهدف إلى تغيير مسار الحرب.
لكن ذلك الهجوم توقف في يوليو لكي يتم عقد محادثات السلام. غير أن ممثلي الحوثي رفضوا الانضمام إلى المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف في سبتمبر، ما أدى إلى تجدد القتال.
من المؤكد أن الحوار أفضل من الحرب، لكن المفاوضات الجادة تتطلب شركاء يجنحون إلى الحل السلمي. وعموماً فقد اكتشف مارتن غريفيث، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، أن الحوثيين لا يحضرون دائماً للمحادثات. يبدو أنهم مدركون لحقيقة أن الحروب الأهلية غالباً ما تكون طويلة الأمد وأن معظم الصراعات في العصر الحديث تنتهي بانتصار حاسم لطرف واحد.
تتمثل استراتيجية الحوثي في الكفاح من أجل النصر في الوقت الذي تقوض فيه عزيمة التحالف العربي من خلال الرأي العام الدولي المعاكس. إنه يُدين سلوك الحكومات العربية التي تُجابههم في حين يساعد نشر الصواريخ التي توفرها إيران، والطائرات بدون طيار والألغام الأرضية الحوثيين في سعيهم لتحقيق النصر على ساحة المعركة، ومثل هذه النتيجة لن تكون في مصلحة الولايات المتحدة ولن تعمل إلا على زيادة البؤس في اليمن بدلاً من تخفيفه.
ومع بُعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر غير المحببة لمعظم الأميركيين، ينسى الكثيرون أن اليمن كانت أيضاً ساحة انطلاق رئيسية للقاعدة في شبه الجزيرة العربية.
ففي شهر أغسطس الماضي قُتل صانع القنبلة الرئيسي للقاعدة، إبراهيم العسيري، بغارة جوية أمريكية. وكان العسيري هو المخطط لعدة هجمات ضد أهداف في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك هجوم "قنبلة الملابس الداخلية" في عام 2009 على طائرة مدنية أمريكية.
لقد قُتل حوالي 2000 من أفراد القاعدة في اليمن على مدى الـ 17 عاماً الماضية. سيكون من المؤسف أن تعمل الانقسامات الداخلية في اليمن، والتي مكنت القاعدة من إقامة قاعدة لها هناك في المقام الأول، على تمهيد الطريق لإعادة تجميع القاعد لصفوفها من جديد. كما أنه لن يصبح الشرق الأوسط أكثر أمناً إذا أصبحت اليمن غير المستقرة والتي يسيطر عليها الحوثيون قاعدة لتهديد جيرانها بدعم من إيران.
إن من شأن توطيد سيطرة الحوثيين على أي جزء من اليمن سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار تماما مثل صعود حزب الله في لبنان. ومثلما انتهى الأمر بدعم حزب الله نظام الأسد في سوريا بعد نجاة لبنان من الحرب الأهلية، يمكن للحوثيين أن يصبحوا القوة الهدامة الرئيسية في منطقة الخليج.
ولكن من وجهة النظر التي في صالح الولايات المتحدة، من شأن فَقدَ إيران لليمن أن يُربك التهديد الذي تمثله طهران لمصالح الولايات المتحدة. وإذا كان لأحد الأطراف أن يفوز في الحرب الأهلية في اليمن، فمن مصلحة الولايات المتحدة أن تكون الحكومة الشرعية المدعومة من الحلفاء الأمريكيين هي الفائز بدلاً من الحوثيين المدعومين من إيران.
والخيار هنا هو أن تُلقي الحكومة الأمريكية بثقلها لدعم جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة، شريطة ألا تكون المحادثات بمثابة غطاء للحوثيين للحفاظ على استمرار الحرب الأهلية في اليمن لسنوات. أي أن الولايات المتحدة ستتمكن من تقصير أمد الحرب من خلال لعبها دوراً واضحاً بدلاً من إبقاء نفسها بعيدة عن الأحداث في اليمن.
وسيكون مثاليا أن يهدف الدعم الأميركي إلى خلق ظروف تدفع الحوثيين إلى إعادة النظر في شراكتهم مع إيران والدخول في مفاوضات جادة. والسيناريو الأسوأ بالنسبة للحوثيين والأفضل بالنسبة للولايات المتحدة هو وضع نهاية حاسمة لسفك الدماء المستمر الذي من شأنه ألا يُفسح المجال لوكلاء إيران حتى يسيطروا على اليمن.
ـــــــ
*حسين حقاني.. مدير قسم جنوب ووسط آسيا في معهد هدسون للسياسة الخارجية والأمن القومي في واشنطن، وهو سفير باكستان لدى الولايات المتحدة في الفترة من 2008 إلى 2011. وآخر مؤلفاته كتاب بعنوان "إعادة تصور باكستان".