اليمن.. حكومة "هادي" تلجأ لبيع سندات مالية بـ100 مليار ريال لسد عجز الموازنة

عدن (ديبريفر) تقرير اقتصادي خاص
2018-10-28 | منذ 5 سنة

وافقت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، اليوم الأحد، على طلب وزارة المالية لاقتراض مبلغاً بنحو 100 مليار ريال (135 مليون دولار) من السوق المحلية لسد عجز الموازنة، وذلك عبر إصدار سندات حكومية مالية طويلة الآجل.

وقالت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ " بنسختها في عدن والرياض والتابعة لهذه الحكومة، إن لجنة السندات ناقشت في اجتماعها، الأحد في الرياض، برئاسة رئيس مجلس الوزراء الدكتور معين عبد الملك، طلب وزارة المالية بإصدار سندات وشهادات إيداع وعقود وكالة بمبلغ 100 مليار ريال لتغطية عجز الموازنة من مصادر غير تضخمية.

ونقلت الوكالة عن وزير المالية أحمد الفضلي، تطرقه إلى الصعوبات التي تواجه المالية العامة للدولة نتيجة قلة الموارد ومخاطر السحب على المكشوف، وقرار مجلس إدارة البنك المركزي الذي تقدمت بشأنه وزارة المالية بطلب تفويض للبنك ذاته باقتراض مبلغ 100 مليار ريال من مصادر غير تضخمية من خلال إصدار شهادة إيداع بنسبة فائدة 27% وسندات حكومية بنسبة فائدة 17% وكذلك عقود وكالة موجهة للبنوك الإسلامية بحسب أنظمة وإجراءات هذه البنوك.

وذكرت الوكالة أن اللجنة وافقت على طلب المالية على أن تمضي في استكمال الإجراءات القانونية بإصدار السندات.

وشدد رئيس الوزراء على محافظ البنك المركزي اليمني، ضرورة الإعداد لعرض تقرير كامل لمجلس الوزراء في أول اجتماع له يشمل البيانات المالية للدولة، إيرادات ونفقات، وكذلك تقرير حول الكتلة النقدية شاملاً العقود الموقعة للطباعة وآليات البنك المركزي للإدارة النقدية، بالإضافة إلى الإجراءات المتخذة من الحكومة لوقف تدهور العملة المحلية من خلال الموارد الخارجية للبنك وخصوصاً السحب من الوديعة السعودية.

وفي الاجتماع استعرض محافظ البنك المركزي محمد زمام، تقريرا عن مستوى انكشاف حساب الحكومة العام لدى البنك المركزي، وإبلاغ الحكومة بالإجراءات المتخذة من قبل مجلس إدارة البنك، ابتداءً من العام القادم 2019، فيما يخص السحب على المكشوف وضرورة قيام الحكومة باتخاذ الخطوات العملية للخفض التدريجي للدين العام وخصوصاً من قبل البنك المركزي.

وكانت المملكة العربية السعودية قدمت مطلع الشهر الجاري منحة جديدة، بمبلغ 200 مليون دولار أمريكي للبنك المركزي اليمني، دعماً لمركزه المالي، بجانب ما  أودعته في 17 يناير الماضي، مبلغ ملياري دولار لدى البنك المركزي ذاته للحفاظ على العملة المحلية من الانهيار أمام العملات الأجنبية.

ورفع البنك المركزي اليمني ومقره الرئيس في مدينة عدن جنوبي البلاد، أواخر الشهر الماضي، قيمة الفائدة إلى المثلين تقريباً في مسعى لتحقيق الاستقرار للريال، بعد تظاهرات شعبية غاضبة من هبوط العملة المحلية وتردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية.

وقالت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية "سبأ" في نسختها بالرياض، حينها ،  إن سعر الفائدة على شهادات الإيداع جرى رفعه إلى 27 بالمئة بدلاً من 15 بالمئة وهو السعر السابق على مدى السنوات الأربع الأخيرة.

وقلل المحلل الاقتصادي اليمني مصطفى نصر، من جدوى قرار البنك المركزي اليمني، برفع الفائدة بغية وقف التدهور المستمر للعملة المحلية.

وقال نصر وهو رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في تصريح خاص لوكالة "ديبريفر" للأنباء وقتها، إن قرار رفع سعر الفائدة على شهادات الإيداع إلى 27 بالمائة لن تكون مجدية كثيراً لوقف تدهور العملة الوطنية بالنسبة لوضع مثل اليمن.

وعزا الخبير الاقتصادي نصر أسباب عدم تحقيق نتائج ملموسة لسعر رفع الفائدة، إلى انعدام الثقة لدى المودعين في البنوك التجارية العاملة في اليمن.

وأكد أن "الناس المودعين والشعب اليمني فقدوا الثقة بالبنوك، لأن لديهم أموال في البنوك لم يستطيعوا سحبها، وبالتالي الحديث عن رفع الفائدة وفي ظل تضخم يتجاوز 50 و100 بالمئة ليس له جدوى، ما الذي يعنيه فائدة 27 بالمئة؟!".

ويرى نصر أن قرار رفع سعر الفائدة لن ينجح كثيراً في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها اليمن، موضحاً بالقول: "هناك بدائل أخرى يفترض ان تتخذ من البنك المركزي والحكومة بعضها تم الإشارة إليها في قرارات الحكومة، مثل وقف نزيف العملة الصعبة سواء عبر تهريبها أو شراءها وتخزينها والتعامل غير الرسمي في السوق الموازية، وهي من الإجراءات التي ينبغي التركيز عليها وهي من البدائل المهمة لوقف تدهور العملة اليمنية".

 

سياسة نقدية غير مجدية

يأتي لجوء الحكومة اليمنية "الشرعية"، إلى بيع السندات الحكومية إلى مصادر غير تضخمية، حد زعمها، لتمويل عجز الموازنة بعد أن كانت الحكومة قبل اندلاع الصراع في البلاد قبل ثلاث سنوات ونصف، تعتمد كلياً على تمويل العجز عن طريق سندات أذونات الخزانة قصيرة الآجل، ما أدى إلى تراكم الديون لدى البنك المركزي اليمني حتى بلغت أكثر من تريليون ريال يمني وبنسبة فائدة تتراوح بين 13 و20 بالمئة حينها، منذ أن شرعت البلاد بتطبيق تلك السياسة النقدية.

وأكد مراقبون ومتابعون اقتصاديون في تصريحات لوكالة "ديبريفر" للأنباء، أن اتجاه الحكومة والبنك المركزي، لانتهاج سياسة نقدية لتغطية عجز الموازنة عبر بيع السندات الحكومية للشركات والأفراد والبنوك التجارية، لن تكون مجدية في أفقر بلد بشبه الجزيرة العربية، حيث بلغ التضخم مستويات قياسية مرتفعة، وستساهم في استمرار هبوط العملة المحلية "الريال" المتداعي أصلاً.

واستغرب هؤلاء المراقبون من لجوء الحكومة للاقتراض من القطاع الخاص، بحجة عدم وجود السيولة الكافية، في وقت مازالت الحكومة والبنك المركزي يواصلان طباعة أوراق العملة المحلية في روسيا والتي بلغت حتى الآن أكثر من تريليونين ريال خلال أقل من عامين، فضلاً عن الأموال الطائلة التي تتلقاها الحكومة الشرعية من بعض دول تحالف دعم الشرعية في اليمن والتي أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في أواخر سبتمبر الماضي، إن إجمالي الدعم السعودي لليمن خلال 4 أعوام بلغ أكثر من 13 مليار دولار.

وتسأل هؤلاء: "أين ذهبت إيرادات الدولة الضخمة، ولماذا لم يتم توجيه السلطة المحلية في محافظة مأرب شمالي البلاد الغنية بالنفط والغاز، بدعم عجز موازنة، في ظل امتناع مأرب عن توريد الإيرادات النفطية والغازية التي تقدر بـ 45 مليار ريال شهريا، إلى البنك المركزي اليمني في عدن وفقا لما قاله محافظ البنك نفسه في تصريحات عدة.

ويتهم مراقبون ومحللون ومواطنون في اليمن، الحكومة المعترف بها دولياً بالفساد، مطالبين بمحاسبتها لإهدارها إيرادات البلاد والأموال التي تتلقاها من بعض دول التحالف، وعدم تسخرها في تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين التي ازدادت تدهوراً.

وحملوا التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات مسؤولية ما يجري في المحافظات الخاضعة لسيطرة "الشرعية" كون الدولتان تقدمان دعم سخي للحكومة اليمنية التي لم تحرك ساكناً للحد من الفساد الكبير المستشري في أجهزة الدولة، وفق اتهاماتهم.

وأشاروا إلى أن الحكومة "تقوم بنهب تلك الأموال إلى جيوب مسؤوليها وتصرف مرتبات مرتفعة بالعملة الصعبة لكافة أعضاء الحكومة، بينما الموظفين يتسلمون مرتباتهم غير المنتظمة بالعملة المحلية ويعانون الأمرين بعدما أصبحت المرتبات لا تسد قوت أسرهم لأكثر أسبوع نتيجة ارتفاع أسعار كافة المواد الغذائية" في بلد يستورد أكثر من 90 بالمئة من احتياجات مواطنيه من الخارج.

 

إلغاء التعويم

وأكد مراقبون ومتابعون اقتصاديون في تصريحاتهم لوكالة "ديبريفر" للأنباء، أن على الحكومة اليمنية والبنك المركزي إذا كانا جادين في وقف انهيار العملة المحلية وتحسين الأوضاع في المناطق الخاضعة لسيطرتها، العمل فوراً على إلغاء قرار تعويم العملة المحلية التي انتهجها البنك المركزي اليمني  في أغسطس العام الماضي بدون آليات لضبط سعر الصرف ما أدى إلى خسارة الريال أكثر من نصف قيمته ودفعه إلى الانهيار المستمر في السوق وسط غياب أي دور رقابي للمؤسسات المالية والنقدية للدولة وعجز البنك عن وقف انهيار العملة المحلية والتحكم بالسوق المحلية وما تحويه من عملات أجنبية، في المقابل لم تستطع الحكومة توفير كميات من العملة الأجنبية "الدولار"، وهو السبب الرئيس في هذا التدهور.

وحررت الحكومة سعر صرف الريال العام الماضي وأصدرت توجيهات للبنوك باستخدام سعر الريال الذي يحدده السوق بدلاً من تثبيت سعر محدد.

ويواجه البنك المركزي اليمني، الذي يتخذ من مدينة عدن الساحلية بجنوب البلاد مقرا له، صعوبة في دفع أجور موظفي الدولة خصوصاً في شمال البلاد والتي يعتمد عليها الكثير من اليمنيين في ظل انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي.

وفقد الريال اليمني أكثر من ثلاث أرباع قيمته مقابل الدولار الأمريكي منذ اندلاع الحرب في عام 2014 عندما سيطرت جماعة الحوثي المدعومة من إيران على العاصمة صنعاء، وفرّ الرئيس عبدربه هادي منصور وحكومته منها.

وكان اليمن يعتمد على صادرات النفط الخام لتغطية عجز الموازنة، حيث تشكل حصة صادرات الخام التي تحصل عليها الحكومة اليمنية من تقاسم الإنتاج مع شركات النفط الأجنبية، نحو 70 بالمئة من موارد الموازنة العامة للدولة و63 بالمئة من إجمالي صادرات البلاد و30 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

لكن انتاج وتصدير النفط تعطل بشكل شبه كامل منذ اندلاع الحرب في اليمن أواخر مارس 2015، بعدما أوقفت جميع الشركات النفطية الأجنبية عملياتها النفطية، وغادرت البلاد عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، ما أدى إلى تقلص الدخل الحكومي لليمن.

واليمن منتج صغير للنفط وتراجع إنتاجه إلى أقل من 200 ألف برميل يومياً قبل اندلاع الحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات ونصف.

 

ما هي السندات المالية الحكومية؟

السندات المالية الحكومية هي نوع من الاستثمارات القائمة على الدين، حيث تقوم بإقراض أموال للحكومة مقابل سعر فائدة متفق علیه. وتستخدم الحكومات هذه الطريقة لجمع الأموال التي يمكن إنفاقها على مشاريع أو بنية تحتية جديدة، ويمكن للمستثمرين استخدامها للحصول على عائد محدد يُدفع على فترات منتظمة.

سندات الخزينة: السند جزء أو حصة من قرض لمدة طويل يحقق لمشتريه الحصول على عائد سنوي ومدة السند تعتبر طويلة, والمقصود بسندات الخزانة سندات تطرحها الدولة للاقتراض من المؤسسات والأفراد لمدة طويلة مقابل عائد سنوي وتنظم هذه العملية عن طريق وزارة المالية, مثل سندات الجهاد التي طرحتها الدول من قبل كما تطرح حاليا أنواع أخرى.

أذون الخزانة: هي حصة من قرض قصير الآجل لمدة لا تزيد عن 3 شهور وتطرحه الدولة للاقتراض من المؤسسات أو الإفراد لمدة قصيرة بمقابل فائدة عن هذه المدة.

 

أوضاع معيشية بائسة

وتشهد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في اليمن، تدهورا  في ظل استمرار انهيار سعر صرف الريال اليمني في السوق أمام العملات الأجنبية حيث بلغ اليوم الأحد 753 ريالاً للدولار الواحد، ما أدى إلى ارتفاع مهول في أسعار السلع الأساسية لتزيد الأوضاع المعيشية للمواطنين تفاقماً في البلاد التي تشهد "أسوأ أزمة إنسانية في العالم" وفق تأكيدات الأمم المتحدة.

وبات الوضع المالي في اليمن أكثر فوضوية منذ قررت حكومة هادي في سبتمبر 2016 نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن وتعيين محافظاً جديداً له، فيما رفض الحوثيون هذه الخطوة ما أدى إلى وجود بنكين مركزيين متنافسين يعملان في البلاد.

وزجت حالة الارتباك بالكثير من اليمنيين في براثن العوز بعد أكثر من عامين شهدت عدم صرف الرواتب لأكثر من مليون موظف غالبيتهم يعيش في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بما فيها العاصمة صنعاء.

وتقود السعودية تحالفاً عربياً عسكرياً ينفذ، منذ 26 مارس 2015، عمليات برية وجوية وبحرية ضد جماعة الحوثيين في اليمن، دعماً لقوات الرئيس هادي لإعادته إلى الحكم في صنعاء.

وأسفر الصراع في اليمن عن مقتل أكثر من 11 ألف مدني، وجرح مئات الآلاف، وتشريد ثلاثة ملايين شخص في الداخل وفرار الآلاف خارج البلاد.

وتصف الأمم المتحدة الأزمة الإنسانية في اليمن بـ"الأسوء في العالم"، وتؤكد أن أكثر من 22 مليون يمني، أي أكثر من ثلثي السكان، بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية والحماية العاجلة، بمن فيهم 8.4 مليون شخص لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم المقبلة، ويعاني نحو مليوني طفل من النقص الحاد في التغذية.


لمتابعة أخبارنا على تويتر
@DebrieferNet

لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام
https://telegram.me/DebrieferNet