Click here to read the story in English
يحاول البنك المركزي اليمني، التأكيد على نزاهته وعدم تورط أي من قياداته في أي تلاعب في أسعار صرف الريال اليمني أمام العملات الأخرى، خصوصاً بعدما كشف رئيس اللجنة الاقتصادية الحكومية، حافظ فاخر معياد، قبل الأحد الفائت عن عملية فساد باستخدام سعر الصرف بقيمة تقارب 9 مليارات ريال.
وقال مجلس إدارة البنك المركزي اليمني بيان نشرته الليلة الماضية، وكالة الأنباء (سبأ) بنسختها في عدن والرياض التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، إنه يتخذ إجراءاته وصلاحياته وفقاً للقانون، بهدف الوصول إلى أحد أهم أهداف البنك وهو تحقيق نوع من الاستقرار الاقتصادي.
وذكر البنك المركزي إنه يحرص على تحقيق ثبات الأسعار من خلال تمويل المواد الأساسية وتدخلاته في أسواق الصرف. وزعم أن ما أسماه "النجاحات" التي تحققت خلال العام الماضي، وبدأ المواطن يجني ثمارها في الربع الأخير من العام ذاته، جاءت من خلال استقرار أسعار الصرف عند أرقام مقبولة في مثل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد.
ووفقاً للبيان أبدى رئيس وأعضاء مجلس إدارة البنك المركزي، استغرابهم من نشر أخبار ومعلومات غير صحيحة بشأن استخدام البنك إحدى أدواته في السياسة النقدية عبر التدخل في الأسواق بهدف استقرار الأسعار.
وادعى البنك المركزي أن تدخلاته حققت استقرار في سعر الصرف للريال اليمني عند حدود 525 و500 ريالاً للدولار الأمريكي، و135 - 140 ريالاً يمنياً للريال السعودي بعد أن كان قد وصل إلى أرقام كبيرة.
يأتي بيان البنك المركزي اليمني، بعد ما كشفه رئيس اللجنة الاقتصادية العليا الحكومية حافظ فاخر معياد، بالوثائق مساء الأحد، عن عمليات فساد منظم تمارسه قيادة البنك المركزي بالمضاربة في العملة في سوق الصرف بلغت مكاسبها نحو 9 مليارات ريال يمني خلال شهر واحد فقط.
وأثار ما كشفه معياد، جدلاً واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرها ناشطون "فضيحة كبرى" في مسلسل الفساد الواسع النطاق في أورقة الحكومة اليمنية "الشرعية" المعترف بها دولياً.
وطالب رئيس اللجنة الاقتصادية في مذكرة رسمية نشرها على صفحته بموقع "فيسبوك" رصدتها وكالة "ديبريفر" للأنباء، رئيس الحكومة الدكتور معين عبد الملك بتوجيه الهيئة العامة لمكافحة الفساد، بالتحقيق في فساد بالمليارات طال عملية بيع وشراء العملات في البنك المركزي اليمني.
وقالت مذكرة رئيس اللجنة الاقتصادية إن الفترة الماضية شهدت عملية تلاعب ومضاربة بالعملة، وإن هناك شبهات قوية بوجود عملية فساد واسعة النطاق.
ووفق الجدول الذي أرفقه رئيس اللجنة الاقتصادية بمذكرته، فإن الفارق بين أسعار السوق وأسعار الشراء من البنك، خلال أقل من شهر واحد وهو شهر نوفمبر الماضي، وصل إلى 8 مليارات و969 مليون ريال يمني (ما يعادل 17 مليون دولار).
ولم تشر المذكرة إلى الأشخاص الضالعين في عمليات الفساد، إلا أن مصادر مالية متطابقة قالت إن محافظ البنك المركزي محمد زمام ومسؤولين آخرين، متورطون في عملية المضاربة بالعملة، وجنوا أرباحاً مهولة، على حساب الاقتصاد اليمني المتدهور أصلاً بسبب الحرب.
واعتبر أحد الصرافين أن العملية كانت نهب منظم لأموال اليمنيين، في الوقت الذي كان الناس يأملون في القيادة الجديدة للبنك بتحسين الاقتصاد ووضع العملة المحلية.
سرعة التحقيق
وطالب صرافون الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، بسرعة التوجيه بإجراء تحقيق شفاف في قضية التلاعب بسعر الصرف وشبهات الفساد التي تحوم حول قيادات ومسؤولين في البنك المركزي اليمني.
ويعيش اليمن منذ قرابة أربع سنوات، صراعاً دموياً على السلطة بين الحكومة المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عسكري تقوده السعودية، وقوات جماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران.
وشهد الاقتصاد اليمني انهيارات متسارعة منذ منتصف يونيو الماضي جراء استمرار تدهور العملة المحلية "الريال" إلى مستويات مخيفة، وعوامل أخرى، ما تسبب في تفاقم المعاناة المعيشية للمواطنين وتصاعد حالة الغليان والغضب لدى الشارع في اليمن.
وفقد الريال اليمني أكثر من ثلاثة أرباع قيمته مقابل الدولار الأمريكي منذ 2015، وتسبب في ارتفاع مهول للأسعار وسط عجز الكثير من اليمنيين عن شراء بعض السلع الأساسية لاسيما الغذائية، لتزيد الأوضاع المعيشية للمواطنين تفاقماً، خصوصاً مع توقف صرف مرتبات الموظفين الحكوميين منذ أكثر من عامين.
واعتبر المحلل الاقتصادي مصطفى نصر، ما أعلنه رئيس اللجنة الاقتصادية عن فوارق مضاربة بسعر الريال تصل إلى ٩ مليارات ريال خلال أقل من شهر واحد "فضيحة كبيرة"، مطالباً بسرعة التحقيق فيها بعيداً عن الصراع الحاصل بين رئيس اللجنة الاقتصادية حافظ معياد ومحافظ البنك المركزي محمد زمام.
وقال نصر وهو رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن: "موضوع كهذا لا يحتاج إلى إذن من رئيس الوزراء للتحقيق فالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة مخولان بالتحقيق مباشرة".
فيما قال الكاتب الصحفي الاقتصادي ماجد الداعري "إن ما كشفه حافظ معياد رئيس اللجنة الاقتصادية التابعة لرئاسة الجمهورية والمخولة رئاسياً ووفقا لقرار تشكيلها بالإشراف ومراجعة وتقييم أداء البنك المركزي وكافة المؤسسات المالية والإيرادية الحكومية وفقا للصلاحيات المخولة دستوريا لرئيس الجمهورية، بالأرقام والإحصائيات والتاريخ ، تعد إحدى أكبر فضائح الفساد المالي الصادم في البنك المركزي بقرابة 9 مليارات ريال من فوارق أسعار صرف شراء البنك لعملة ريال سعودي خلال شهر واحد فقط".
ونقل الداعري المتخصص في متابعة أخبار البنك المركزي اليمني عن مصادر لم يسميها تأكيدها "أن محافظ البنك المركزي محمد زمام وإدارته أساءت استغلال الترليوني ريال المطبوعة دون غطاء من قبل البنك وقامت بأوسع عمليات مضاربة وشراء الريال السعودي والدولار من السوق بأسعار صرف أغلى من سعر السوق مقابل تقاسم الفوارق بين سماسرة البنك والصرافين وتحميل البنك والدولة نتائج تلك الوقائع الواسعة من الفساد الممارسة على نطاق واسع بالبنك حسب تعبير مذكرة رئيس اللجنة الاقتصادية، ليصل فارق أسعار الصرف خلال شهر نوفمبر من العام الماضي وتحديدا في الفترة من 4 نوفمبر حتى 29 نوفمبر ٢٠١٨م، إلى أكثر من 8 مليارات و969مليون ريال".
وأضاف الداعري: "ينبغي تمكين هيئة الفساد من التحقيق فيها وبالتالي تقديم المتورطين للمحاكمة وبالتأكيد أن المحافظ المتمرد على الهيئة سيكون في مقدمة داعمي السماسرة والمتورطين بفضائح المضاربة بالعملة التي أوصلت سعر صرف الدولار إلى 800 ريال يمني يومها".
فساد الشرعية المهول
من جهته قال الكاتب السياسي الصحفي عصام البحري "9 مليارات ريال نهبتها مافيا الفساد الشرعية في 6 عمليات مضاربة بالعملة فقط وبعد أن طبعت خلال عامين أوراقا نقدية جديدة تفوق ما طبع منذ 22 مايو 1990 وحتى نهاية 2016 م، وأغرقت السوق بها لتنهار العملة اليمنية إلى مادون 850 ريال مقابل الدولار مقارنة ب250 ريال سعرها عند نقل المركزي إلى عدن".
وأضاف البحري في منشور على صفحته في الفيسبوك رصدته وكالة "ديبريفر" للأنباء: "9 مليارات ريال ضخت في بطون وجيوب فاسدي الشرعية بعد ان التهموا مليارات الدولارات من دول الخليج والمجتمع الدولي وتاجروا بدماء اليمنيين وتحولوا إلى رجال أعمال ومستثمرين يزدادوا ثراء فاحش، وتجار حروب من الدرجة الأولى ومازالوا مثل جهنم يطلبون المزيد. 9 مليارات ريال مدعمة بالوثائق وبشهادة لجنة اقتصادية تابعة لهادي وحكومته كافية لكل ذي عقل بأن يدرك بأن فاسدي الشرعية حولوا البنك المركزي في عدن إلى قربة مثقوبة ولا هم لهم إلا التهام المال العام ومواصلة نهب خزينة الدولة دون أدنى استشعار لمسؤوليتهم تجاه الوطن المدمر والمنكوب وملايين اليمنيين الذين تطحنهم المجاعة ويعيشون في أسوأ كارثة إنسانية".
وتابع: "9 مليارات ريال التهمها في وقت وجيز من يفترض أن عليهم حماية المال العام وتخفيف معاناة الشعب ليعلنوا للجميع أن من يحكم هذا الشعب مجموعة من اللصوص والحرامية لا هم لهم إلا أنفسهم وأسرهم وراحة حكومة الفنادق وشرعية الأقارب. 9 مليارات ريال في ست عمليات شراء عملة خلال شهر، هذا ما ظهر للعلن أما ماهو في الواقع وعلى مدى أشهر أو سنوات فبالتأكيد حجم الفساد مئات المليارات، وإذا أضفنا فساد جباية الموارد ضرائب وجمارك ومصير مبيعات النفط والغاز وصادراته فستتحول الأرقام إلى أرقام فلكية تريليونات".
واعتبر البحري أن "ما تم كشفه من فساد بـ9 مليارات ريال قطرة من بحر فساد الشرعية لا تبشر أننا مقبلون على سلام أو أن تجار الحروب سيقبلون بإيقاف الحرب التي تعد بقرة حلوب لتنمية ثرواتهم ومصالحهم ومصالح أسرهم فقط ولا حتى سيقبلون بتوحيد الإدارة المالية لصرف رواتب مليون و200 ألف موظف توقفت رواتبهم منذ عامين ونصف ويعولون نحو عشرة ملايين نسمة".
الريال يعاود الهبوط
تأتي هذه التطورات الاقتصادية، في وقت مازالت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في اليمن، تشهد مزيداً من التدهور نتيجة الارتفاع المهول في أسعار السلع الأساسية لتزيد أوضاع المواطنين تفاقماً في البلاد التي تشهد "أسوأ أزمة إنسانية في العالم" وفق تأكيدات الأمم المتحدة.
وقال لوكالة "ديبريفر" للأنباء، صرافون ومتعاملون في صنعاء وعدن، مساء اليوم الثلاثاء، إن الريال اليمني واصل هبوطه مجدداً، بعد تحسن سعره خلال الأشهر الماضية.
وذكر صرافون أن الدولار الواحد سجل في تداولات مساء الثلاثاء في عدن 570 ريالاً للشراء، و600 ريالاً للبيع، كما ارتفع سعر الريال السعودي مجدداً، في السوق اليمنية المتداولة مساء اليوم الثلاثاء، ليصل في عدن إلى 155 ريالاً يمنياً للشراء و160 ريالاً للبيع.
وأكد صرافون في عدن إن السوق مضطربة مما دفع ببعض المحلات إلى إيقاف عمليات البيع والشراء.
تقرير الخبراء
وفي 18 يناير الجاري أوصى تقرير خبراء من الأمم المتحدة يراقبون العقوبات ضد اليمن، بأن يذكّر مجلس الأمن الدولي الحكومة الشرعية اليمنية المعترف بها دولياً بأنّ الفساد يهدد السلام وأن يذكّرها أيضاً، بالتزاماتها بموجب القانون الدولي لتوفير مستويات معيشة مناسبة لمواطنيها، بما في ذلك ضمان دخول البضائع إلى البلاد، كما حث التقرير مجلس الأمن الدولي، جماعة الحوثيين (أنصار الله) على احترام حياد واستقلال العاملين في المجال الإنساني.
واقترح تقرير الخبراء على أمين عام الأمم المتحدة تنظيم مؤتمراً مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالإضافة إلى جهات فاعلة رئيسية أخرى، لإدارة التدفقات النقدية والواردات من السلع على أفضل وجه، وذلك باستخدام مبادئ الاتفاق العالمي للأمم المتحدة بشأن كيفية قيام الشركات بإدارة أعمالها.
وكشف تقرير للجنة الخبراء في مجلس الأمن الدولي في يوليو الماضي، أن الحرب في اليمن أوجدت تجار حروب جدد لا يريدون لهذه الحرب أن تتوقف، في إشارة واضحة إلى مراكز النفوذ والمصالح التجارية، والاستثمارية، التي تكونت في رأس سلطتي الشرعية في الجنوب، وجماعة الحوثي في الشمال، وذلك حتى لا يفقدون مكاسبهم ومصالحهم.
ويواجه البنك المركزي اليمني، الذي يتخذ من مدينة عدن الساحلية جنوبي البلاد مقراً له، صعوبة في دفع أجور موظفي القطاع العام خصوصاً في شمال البلاد والتي يعتمد عليها الكثير من اليمنيين.
وبات الوضع المالي أكثر فوضوية منذ قررت حكومة هادي "الشرعية" في سبتمبر 2016 نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، فيما رفض الحوثيون هذه الخطوة ما أدى إلى وجود بنكين مركزيين متنافسين يعملان في البلاد.
وتعد قضية توحيد دور البنك المركزي اليمني والمؤسسات المالية، من أهم القضايا التي تهم وتشغل الرأي العام في اليمن، نظراً لارتباطها بمعيشة المواطنين والموظفين الحكوميين، الذي يعاني غالبيتهم سيما في المحافظات الشمالية ذات الكثافة السكانية والوظيفية، أوضاعاً معيشية وإنسانية صعبة للغاية، بفعل انقطاع مرتباتهم الشهرية منذ أكثر من عامين حينما قررت حكومة هادي في سبتمبر 2016 نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن.
وقبل صدور قرار نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن، كانت المرتبات تصرف لجميع موظفي الجهاز الإداري للدولة في جميع المحافظات.
وخلّف استمرار الحرب في اليمن لقرابة أربع سنوات أوضاعاً إنسانية وصحية صعبة، جعلت معظم السكان بحاجة إلى مساعدات، في أزمة إنسانية تعتبرها الأمم المتحدة "الأسوأ في العالم".
وينفذ التحالف بقيادة السعودية، منذ 26 مارس 2015، عمليات برية وجوية وبحرية ضد جماعة الحوثيين في اليمن، دعماً لقوات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته لإعادته إلى الحكم في صنعاء التي يسيطر الحوثيون عليها وأغلب المناطق شمالي البلاد منذ سبتمبر 2014.
وتقول الأمم المتحدة إن نحو 14 مليون شخص، أو نصف سكان اليمن، قد يواجهون المجاعة قريبا، فيما تؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن نحو 1.8 مليون طفل يعانون من سوء التغذية.
وأدى الصراع الدامي إلى مقتل أكثر من 11 ألف مدني، وجرح عشرات الآلاف، وتشريد ثلاثة ملايين شخص داخل البلاد وفرار الآلاف خارجها.