Click here to read the report in English
تعيش الرياضة اليمنية حالة "موت سريري" بسبب الأحداث التي يمر بها البلد منذ قرابة أربعة أعوام، عقب سيطرة جماعة الحوثيين (أنصار الله) للعاصمة صنعاء ومعظم المدن اليمنية، وصولاً إلى تدخل عسكري عبر تحالف تقوده المملكة العربية السعودية ويضم دولاً أخرى، وينفذ عملية "عاصفة الحزم"، بطلب من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.
الحرب الضروس التي اندلعت هناك، لم تستثن البنية التحتية للرياضة اليمنية المتمثلة في منشئاتها بأغلب المحافظات، إضافة الى الرياضيين من مختلف الألعاب الذين سقطوا في صفوف طرفي النزاع بين قتيل وجريح، سواء خلال المعارك الميدانية، أو العمليات العسكرية الجوية.
في الواقع، لم تتعرض الرياضة اليمنية لتدمير وانحسار في أنشطتها طوال تاريخها مثلما تعرضت له منذ بداية الحرب التي حولت تلك المنشئات الى ركام بين الأطلال.
معظم الملاعب والمنشئات الرياضية دمرت بعد تعرضها للقصف الجوي من قبل قوات التحالف، التي بررت ذلك القصف بسبب تكديس الحوثيين للسلاح فيها، وتحويلها الى مخازن للسلاح، ومقرات لأفراد الجماعة ومعتقلاتها، استنادا إلى صور تناقلتها بعض المواقع الالكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي لآليات عسكرية كانت تتواجد داخل تلك المنشئات، في الوقت الذي ينفي فيه الحوثيون بشدة صحة تلك الادعاءات.
أهم المعالم الرياضية في اليمن تعرضت للتدمير، وما لم يطله القصف تعرض للنهب والسرقة – كلياً- من قبل مجاميع مسلحة مختلفة، في طليعة تلك المنشئات التي دمرها القصف الجوي، صالة 22 مايو للمؤتمرات الدولية والأنشطة الرياضية، وملعب علي محسن المريسي الدولي في العاصمة صنعاء وهما أكبر منشأتان رياضيتان في اليمن، بالإضافة إلى الدمار الذي طال بقية المنشئات الرياضية في محافظات عدن، إب، ذمار، تعز، لحج، أبين، الضالع، حجة، الحديدة، صعدة، المحويت، وعمران.
الخسائر الأكبر في القرن الـ21
يعتقد الصحفي الرياضي اليمني "سامي العمري" أن ما تعرضت له البنية التحتية للرياضة في بلاده، هو الأشد سوءً وضرراً في القرن الـ21 حتى الآن، لرياضة دولة ما، موضحاً: "لم تشهد البنية التحتية للرياضة في أي دولة في العالم، دماراً مثلما حل بالمنشآت الرياضية في اليمن منذ بدء القرن الحالي".
وقال العمري لوكالة "ديبريفر" للأنباء: "انتظر الرياضيون اليمنيون في هذا البلد الفقير، عقوداً طويلة حتى رأوا حلمهم يتحقق بمنشآت رياضية أصبحت واقعاً ملموساً يمارسون فيها أنشطتهم، لكنهم أصيبوا بانتكاسة قوية حينما شاهدوا منشآتهم وقد دُمرت في لحظات معدودة بسبب الحرب".
مليار دولار خسارة أولية ومرشحة للزيادة
في مايو 2019 كشفت إحصائية صادرة عن وزارة الشباب والرياضة في العاصمة "صنعاء" نشرتها وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أن إجمالي الخسائر الناجمة عن القصف الجوي والبحري للتحالف العربي على المنشئات الرياضية بلغ قيمتها نحو مليار دولار (650 مليون دولار، تقديرات أولية للأضرار و 350 مليون دولار وخسائر غير مباشرة.
107 منشأة رياضية دُمرت حسب بيان الوزارة، بعضها بشكل كلي، وبضعها تعرض لدمار شبه كلي أو جزئي، وجاءت العاصمة صنعاء في المقدمة حيث طال الدمار 32 منشأة شبابية ورياضية ما بين ملاعب وصالات ومقرات للأندية، بلغ قيمة خسائرها 210 ملايين و392 ألف دولار.
وفصّل تقرير وزارة الرياضة بصنعاء -الخاضعة لسيطرة الحوثيين- حجم الأضرار في المنشئات الرياضية بأمانة العاصمة والناتجة عن القصف الجوي للتحالف العربي بواقع سبعة استادات رياضية و 13 ملعباً رياضياً و 13 صالة رياضية مغلقة وتسعة بيوت شباب و20 مقراً إدارياً وستة مقرات للاتحادات الرياضية.
كما أشار التقرير إلى أن القصف دمر ثلاثة مراكز ومضامير للفروسية والهجن، ومسبحين أولمبيين، ومقر اللجنة الأولمبية ومركز الطب الرياضي ومعهد التربية البدنية، إضافة الى 12 ملعباً من الملاعب الخفيفة وقصر الشباب والمعسكر الدائم للكشافة والمرشدات، بالإضافة إلى مبنيين إداريين.
الرقم مرشح للزيادة بقوة مع توسع رقعة الحرب باتجاه "الحديدة" المدينة الساحلية غربي اليمن، التي تترقب منشئاتها الرياضية مصيرها الواقع بين سندان الحوثيين، ومطرقة التحالف، فضلاً عن أن بعض منشآتها الرياضية تعرضت وفي وقت سابق لقصف جوي من مقاتلات التحالف، حالها كحال المحافظات التي سبقتها في الدمار.
في الجهة الوزارية المماثلة التابعة للحكومة اليمنية "الشرعية" المعترف بها دولياً، غابت احصائيات الوزارة الرسمية، عن الخسارة الاجمالية في المنشئات الرياضية جراء الحرب، واكتفى وزير الشباب والرياضة نائف البكري، باتهام الحوثيين بالتسبب في تدمير ما نسبته 70 % من إجمالي المنشئات التي تضررت حسب تصريح صحافي لجريدة البيان الإماراتية.
وزيران وصندوقان .. والرياضة تعاني الأمرين!
أفرزت الحرب واقعاً جديداً على الأرض، تمثل في تبعية الأنشطة الرياضية لطرفي النزاع في اليمن، ما أدى إلى موت سريري للرياضة، سواء في المناطق "المحررة" التي تتبع حكومة الرئيس هادي، أو المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وزارة في العاصمة صنعاء، وأخرى في محافظة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة للبلاد، ولكلٍ منهما وزير، ففي صنعاء، عيّن الحوثيون القيادي في حزب الحق -الموالي للحركة الحوثية التي تسيطر على صنعاء- حسن زيد وزيراً للرياضة، فيما سمت حكومة الرئيس هادي "الشرعية"، القيادي السابق فيما يسمى المقاومة الجنوبية وحزب الإصلاح "أحد التنظيمات التابعة لجماعة الاخوان المسلمين في اليمن" نايف البكري، على رأس وزارة الرياضة ومقرها في عدن.
يسيطر الحوثيون على الموارد الخاصة بالشباب والرياضيين في صنعاء، ويسخرون جزءا كبيرا منها لحروبهم في مختلف الجبهات، وما يتبقى من تلك الموارد يخصص لإقامة بعض الأنشطة الرياضية البسيطة هنا وهناك، على فترات متباعدة، وبمشاركة الفرق الرياضية القابعة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، ومع آخر العام 2018 جمدت وزارة المالية حساب صندوق رعاية النشء والشباب التابع لوزارة الرياضة، ما أدى الى توقف النشاط الرياضي الرسمي في شمال اليمن بشكل نهائي.
في المناطق التي تخضع لحكومة الرئيس هادي، الموارد المالية مصدرها صندوق رعاية النشء والشباب والرياضة في عدن، لكن النشاط الرياضي شبه غائب أيضا، حيث تنظم الوزارة هناك بعض المسابقات "الشعبية" بين الفرق والأندية التي تقع ضمن نطاق العاصمة المؤقتة عدن، ويغيب النشاط إجمالا في بقية المناطق، ويسخر الجزء الأكبر من الموارد المالية لصندوق النشء في عدن كبدل سفر ومكافئات ومشاركات وهمية، يسيطر عليها نافذون مقربون من الوزير البكري بحسب مصادر خاصة لـ "ديبريفر".
كرة القدم.. جمود محلي .. ونشاط خارجي
لم تنحصر آثار الحرب على تدمير البنية التحتية للرياضة اليمنية وحسب، بل طالت العنصر البشري (الرياضيين أنفسهم) وتوقف الأنشطة الرياضية، داخل البلاد بالإضافة إلى غياب حضور الرياضيين اليمنيين عن المحافل الخارجية.
المنافسة الرياضية الأهم في البلاد المتمثلة في كرة القدم، متوقفة بشكل تام في كافة المحافظات اليمنية، حيث لا دوري عام، ولا أي نشاط ذو صلة، إلا بعض المباريات أو المسابقات الودية التي تنظمها بعض الأندية فيما بينها، بين الفينة والأخرى، ومؤخرا أعلن اتحاد كرة القدم اليمني استئناف دوري الدرجة الثانية على شكل تجمعات للأندية في بعض المحافظات، وسط ترقب شديد وتخوف من إدارات الأندية لاسيما بعد الفشل الذريع الذي حظيت به بطولات ودية نظمها الاتحاد كما هو الحال ببطولة طيران بلقيس لأندية عدن التي انتهت مؤخرا دون تتويج البطل.
الحظر الجوي الذي فرضته قوات التحالف العربي على أغلب المطارات اليمنية، حجب معظم المشاركات الرياضية اليمنية عن البطولات الخارجية، باستثناء كرة القدم التي سجلت حضوراً في مختلف المسابقات التي تتبع الفيفا بكافة فئاتها، ويبقى منفذ "الوديعة" بين اليمن والسعودية، ومنفذ "شحن" بين اليمن وسلطنة عمان، المعبران البريان الوحيدان لخروج الفرق الرياضية.
المعاناة الكبيرة التي سببتها الحرب للرياضيين خلال عامين كاملين، يمكن تلخيصها في مشهد أليم، ضمن عدة مشاهد مشابهة تكررت، حين اضطر المنتخب اليمني الأول لكرة القدم، للمغادرة عبر سفينة خاصة للمواشي، لمدة 18 ساعة عبر البحر الأحمر، الى إحدى الدول الافريقية، ومنها الى العاصمة القطرية الدوحة، للمشاركة في إحدى مباريات التصفيات المؤهلة الى كأس العالم روسيا 2018، بسبب إغلاق المطارات المدنية في اليمن.
وعلى الرغم من المعاناة الكبيرة التي واجهتها المنتخبات اليمنية، إلا أنها حققت نتائج لافتة في مشاركتها، بتأهلها في جميع الفئات (أول، اولمبي، شباب، ناشئين) الى النهائيات الخاصة على الصعيد الآسيوي، وبعضها للمرة الأولى.
اتحاد كرة القدم خرج من دائرة الصراع، بنفوذ الفيفا وقوانينه الصارمة، حيث سمح طرفي النزاع بتسيير نشاط المنتخبات اليمنية جزئياً، وتحديداً مهمة سفر اللاعبين ومشاركاتهم باسم اليمن في المسابقات القارية المختلفة، فيما تجمدت المشاركات الخارجية للمنتخبات والأندية والاتحادات الرياضية الأخرى بشكل كلي أو شبه كلي نتيجة للحرب.
لاعبون عالقون في الخارج
بعض اللاعبين اليمنيين أصبحوا عالقين خارج الوطن، ويضطرون المكوث في الخارج للاستمرار في تمثيل اليمن في المحافل الخارجية، ومن هؤلاء لاعب الجودو الدولي اليمني، علي خصروف، الذي أكد أنه اضطر لعدم العودة إلى وطنه، كي يتمكن من الاستمرار في المشاركة باسم اليمن في المحافل الخارجية.
يفند النجم خصروف لـ"ديبريفر" أسباب ذلك بالقول: هناك أمور عديدة منعتني من العودة لليمن، في طليعتها عدم توفر الرحلات الجوية بانتظام، وارتفاع سعر التذاكر بصورة جنونية من قبل الشركة الوحيدة "طيران اليمنية"، إضافة الى الهاجس الأمني حال السفر "برا" من العاصمة "صنعاء" صوب العاصمة المؤقتة "عدن" أو باتجاه "سيؤون" وهما المنفذان الجويان المتاحان حاليا في اليمن، ويغلقان أبوابهما فجأة لدواع أمنية.
ويؤكد لاعب الجودو اليمني أن بقائه في "مصر" أو "الأردن" لفترات طويلة في انتظار المشاركات الرياضية "المتقاربة" يكلفه الكثير "ماديا" عطفا على عدم وجود بيئة للمنافسة الإعدادية هناك، كما لو كان بقائه في دول أخرى ذات طابع تنافسي في اللعبة كـ"اليابان" و"روسيا" و"كوريا".
استقطابات الأيدولوجيات المتطرفة
توقف النشاط الرياضي بشكل شبه جزئي في اليمن، صدّر مخاوف عديدة للمتتبعين للمشهد العام داخل اليمن، في طليعة تلك المخاوف، تحول الشباب للانخراط في نشاطات أخرى ذات صلة بالجماعات الدينية المتطرفة، تحت مسميات عديدة ومختلفة، في مختلف مناطق الاقتتال.
ما يعزز تلك المخاوف الحادثة الشهيرة التي سجلت حينما تحول حارس المرمى السابق لفريق كرة القدم بنادي حسان أبين سابقاً - أحد أشهر أندية جنوب اليمن - "جلال بلعيدي" الملقب بـ" أبو حمزة الزنجباري"، إلى زعيم لفرع تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" في اليمن، بعد انشقاقه عن تنظيم القاعدة الذي كان أيضاً أحد أبرز أعضائه، قبل أن يلقي مصرعه لاحقا، خلال استهدافه من قِبل طائرة أمريكية بدون طيار في فبراير عام 2016.
هذه المخاوف والشكوك يعززها أيضا، تحول بعض الرياضيين، للالتحاق بجبهات القتال في كلا الجانبين، تحت مسمى "الجهاد" وفق تأطير ديني ممنهج من قبل الجماعات والحركات الدينية، التي أفرزتها هذه الحرب، وغياب الدولة كلياً عن المشهد الواقع على الأرض.
في جنوب اليمن، شارك لاعبون ورياضيون سبق لهم تمثيل اليمن في مناسبات مختلفة، ضمن جماعات دينية مسلحة، لقتال قوات الحوثيين التي اجتاحت مدينة عدن في مارس عام 2015، قبل خروجها من المدينة وأغلب المناطق جنوبي اليمن في يوليو من العام ذاته.
عبدالله عارف عبدربه حارس مرمى منتخب شباب اليمن ونادي الشعلة بمحافظة عدن قتل في العام 2015 ضمن صفوف الشرعية التابعة للرئيس هادي، وتبعه في ذات الجبهة التابعة لـ "حكومة الشرعية" أيضا لاعبا نادي شعب صنعاء لكرة القدم علي السعودي العام 2015، ومحمد الدميني في العام 2016 اللذان سقطا قتيلان "تباعا" في المواجهات باتجاه محافظة لحج جنوبي اليمن، ومحافظة "مأرب" شمالي العاصمة صنعاء".
في الجهة المقابلة التابعة لحكومة الحوثيين، قتل لاعب منتخب المصارعة اليمني ونادي شعب صنعاء إبراهيم الردمي في جبهة نهم القتالية على سفوح العاصمة صنعاء العام 2018، وتبعه زميله لاعب كرة القدم في ذات النادي عبد الجبار الادريسي الذي سقط في معارك الساحل الغربي بمدينة الحديدة في نفس العام.
الحال ذاته الذي تعيشه مدينة تعز الواقعة شمال اليمن، حيث يقود أحد فصائل المقاومة المسلحة بها، القيادي السلفي "أبو العباس" وهو لاعب سابق في صفوف فريق كرة القدم الأشهر بالمدينة نادي الصقر، وفي ذات المدينة قتل لاعب نادي الصحة في لعبة الشطرنج الدولي خالد علي سعيد مطلع العام 2015.
يقول الدكتور محمد النظاري أستاذ الاعلام الرياضي المساعد بجامعة البيضاء تعليقا على انخراط الرياضيين في جبهات القتال: " لا شك أن تدمير البنى الرياضية التحتية في اليمن، والظروف الاقتصادية التي أفرزتها الحرب سبب رئيسي لانخراط الرياضيين للقتال في الجبهات عوضا عن ممارسة الرياضة، مؤكدا على ضرورة النأي بالرياضيين عن أي صراع سياسي من قبل كل الأطراف".
ختاما: يمكن القول بأن غياب النشاط الرياضي والمشهد الدامي الذي سببته الحرب، سهل انخراط الشباب والرياضيين ضمن تلك المكونات الإيديولوجية بشقيها، وهو ما ينبئ بكارثة قادمة تهدد المشهد اليمني بشكل عام عقب انتهاء الحرب، وليس المشهد الرياضي فحسب.